الأخبار

د. احمد بطاح : معضلة إسرائيل في غزة

د. احمد بطاح : معضلة إسرائيل في غزة
أخبارنا :  

بعد ضربة المقاومة الفلسطينية الوازنة لإسرائيل في السابع من أكتوبر خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» مُعتداً بجيشه «الذي لا يُقهر»، وبالدعم الغربي غير المسبوق ليُعلن أنّ أهداف الحرب على غزة هي: القضاء على حماس، وتحرير «الرهائن» الإسرائيليين، والتأكد من أنّ قطاع غزة لن يُشكّل خطراً على إسرائيل مستقبلاً. والآن وبعد مرور تسعة أشهر على هذه الحرب الهمجية التي مارست من خلالها إسرائيل كل جرائم الحرب من تدمير (70% من البنية التحتية للقطاع)، وقتل (أكثر من 37,000، وجرح أكثر من 90,000) فلسطيني، وتهجير (معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2,300,000 نسمة)، وتجويع (شملَ أكثر سكان القطاع وبالذات في الشمال) يحق لنا أن نسأل: هل حققت إسرائيل أهدافها؟

وللإجابة على هذا السؤال المنطقي والمُستحق لا بدّ أنْ نوضح ما يلي:

أولاً: لم تستطع إسرائيل القضاء على حماس بدليل أنّ الأخيرة ما زالت وبالتعاون مع حركة «الجهاد الإسلامي» وغيرها تضرب الجيش الإسرائيلي في معظم مناطق القطاع بدءاً من بيت حانون في الشمال وانتهاءً بما وصل إليه الجيش الإسرائيلي في رفح، وقد اعترف «هاجاري» الناطق باسم الجيش الإسرائيلي بهذه الحقيقة في لحظة تجلّي وصدق مع النفس عندما قال «بأنّ حماس فكرة وحزب والادعاء بإمكانية القضاء عليها نهائياً هو ذر للرماد في العيون»، ولعلّ الدليل على ذلك ايضاً انّ «حماس» ما زالت تفاوض الجانب الإسرائيلي من موقع الند للند فهي–وإنْ قبلت قرار مجلس الأمن الأخير- إلّا أنها أبدت ملاحظاتها وطالبت بوقف الحرب نهائياً والانسحاب من القطاع، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أنها ليست في موقف ضعيف ولو كانت كذلك لسارعت إلى قبول قرار مجلس الأمن الأخير بكل ما فيه من «فِخاخ» نصبتها الولايات المتحدة ومن ورائها إسرائيل.

ثانياً: لم تتمكن إسرائيل من استعادة أسراها أو من تسميهم «رهائنها» باستثناء أربع استطاعت وبمعونة الولايات المتحدة استرجاعهم بعد أن ارتكبت مجزرة مُروّعة قتلت فيها أكثر من (300) وجرحت أكثر من (700) من المواطنين الفلسطينيين الأبرياء، ولعلّ من الواضح تماماً وبعد اقتراب نهاية معركة «رفح» -التي وعد «نتنياهو» شعبه بأنها ستكون الأخيرة والقاضية- أن إسرائيل لن تتمكن من استرجاع أسراها إلّا بعقد صفقة مع المقاومة الفلسطينية وقد أدرك بعض أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي (غانتس، وأيزنكوت) -وهم خبراء عسكريون مشهود لهم- استحالة تحقيق هذا الهدف في ظل المعطيات الحالية، كما أدركته عائلات «الأسرى» التي ما فتئت تطالب بعقد صفقة مع المقاومة، متأكدةً أن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الهدف الثاني من أهداف الحرب وهو استرجاع «الرهائن» الإسرائيليين.

ثالثاً: لم تستطع إسرائيل إيجاد بديل «لحماس» في قطاع غزة ليتولى الأمور في اليوم التالي للحرب، فالسلطة الوطنية الفلسطينية رافضة (هذا إن استطاعت) أن تأتي إلى القطاع لتحقيق هدفٍ إسرائيليٍ مُعلن بغير أن يترافق ذلك مع رؤية شمولية تحقق هدف إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وفقاً «لحل الدولتين»، والعرب مترددون في تشكيل «قوة عربية» تُسيطر على القطاع وتخدم الأهداف الأمنية الإسرائيلية، كما تدرك القوى الدولية عدم إمكانية تشكيل قوة دولية تحقق الأمن لإسرائيل على حساب حق الفلسطينيين في اختيار من يمثلهم، وبخاصة أنّ إسرائيل ترفض من حيث المبدأ إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، كما يترتب عليه تبني «حل الدولتين»، بل إنّ القوى اليمينية المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية تريد زيادة الاستيطان ليس فقط في الضفة الغربية بل حتى في قطاع غزة ذاته!

إزاء هذا الفشل الإسرائيلي الاستراتيجي المدوّي في تحقيق أهداف الحرب، وإزاء تراجع «صورة» إسرائيل في العالم وإلى الحد الذي تحقق معه محكمة العدل الدولية في مُمارسة إسرائيل لأم الجرائم وهي «الإبادة الجماعية» للشعب الفلسطيني، وإلى الحد الذي يتهم فيه مُدّعي عام محكمة الجنايات الدولية «نتنياهو» ووزير دفاعه «جالانت» بارتكاب «جرائم حرب»، وإلى الحد الذي ضمت فيه الأمم المتحدة أخيراً الجيش الإسرائيلي (الذي تدعي إسرائيل أنه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم!) إلى «قائمة العار» التي تصدرها الأمم المتحدة وترصد فيها الجيوش التي تمارس الانتهاكات الموصوفة ضد الأطفال، إزاء كل ما سبق فإن إسرائيل تواجه معضلة حقيقية تتمثل في أنها لا تستطيع تحقيق أهداف الحرب التي شنتها على غزة، ولا تستطيع أيضاً إعلان هزيمتها وانسحابها من القطاع وبخاصة بعد أن فعلت ما فعلته فيه، وبعد أن ظفرت بما لم تكن تحلم به من دعم غربي غير مسبوق.

ما الذي يمكن أنْ يحدث في ظِل هذه الحالة من «الاستعصاء» ومواجهة » المُعضِلة» بالنسبة لإسرائيل؟

إنّ الممكن الوحيد هو زيادة ضغط الرأي العام الإسرائيلي الداخلي على نتنياهو من أجل قبول قرار مجلس الأمن الأخير «مُعدلاً» بحيث ينطوي على إنهاء الحرب، وإبرام صفقة تُعيد «الأسرى» الإسرائيليين إلى ذويهم، وكذلك الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة تعيد رسم صورة المشهد السياسي في إسرائيل. إنّ قبول إسرائيل بقرار مجلس الأمن الأخير يخفّف من ضغوط العالم عليها وبخاصة أنه يتابع جرائمها بالصوت والصورة كل يوم، ويرضي الإدارة الأمريكية التي لا تريد استمرار الحرب واحتمال توسعها إلى حرب إقليمية آملةً في التفرغ للانتخابات المقررة في 05/11/2024، كما يفتح هذا المسار أملاً للإسرائيليين ليس فقط في استعادة أسراهم بل لتنظيم حكومتهم من جديد، والتحقيق فيما حدث لهم في السابع من أكتوبر الذي شكل نقطة انعطاف حقيقية في تاريخ إسرائيل ووضعتهم أمام أسئلة مُحرجه تتعلق بوجود الدولة ومستقبلها. ــ الراي

مواضيع قد تهمك