الأخبار

بشار جرار : مقاول حائط الصد وساحة الرد!!

بشار جرار : مقاول حائط الصد وساحة الرد!!
أخبارنا :  

لعشاق كرتي القدم والمضرب -ولكل كرته وحائط صدها- أكرس هذه المقالة في مقاربة مع عالمي السياسة والإدارة. لكل رياضة فيها كرة، قواعد تساوي بين اللاعبين المحترفين والهواة كقوانين الفيزياء والهندسة وما يدخل فيها كقواسم مشتركة، منها الحجم والكتلة والوزن والسرعة.

بات بديهيا أن السياسة بصرف النظر عن قوة من مارسها تبقى «فن الممكن». وأصبح جليا أن السياسي الناجح هو الإداري الناجح أو بالأحرى القيادي الناجح. كذلك هو الرياضي، أي الرياضات اختار وأي المباريات خاض في دوري أو وديا، لا تتغير مهارات الفوز ومتطلباته ومنها القدرة على المناورة وسرعة الاستجابة والتي تبدأ أولا بتحديد ما هو المتوقع وما هو مستبعد أو مرجح، وفقا لدرجات يتم الإعداد بعناية للتعامل مع كل منها.

لضمان الاحتفاظ بالمهارة، يحرص عشاق التنس الأرضي (كرة المضرب) مثلا على تخصيص جانب من تدريبات الإحماء لتلك المهارات حتى وإن توفر لاعب رفيق. تحرص البلديات -خاصة في المقاطعات التي تراعي أولويات الإنفاق بحسب الضرورات التي تستثمر في صحة الإنسان بمفهومها الشامل- تحرص على إقامة تلك الملاعب المزودة بحائط صد أو بالأحرى صدّ ردّ بحيث يقوم اللاعب المنفرد بالإرسال أولا، ومن ثم صدّ ما يرتد إليه من كرات، هكذا ضربة تلو الأخرى حتى يكون قادرا على تمرين نفسه على احتساب زوايا الضربة وقوتها، بحيث يكون قادرا على ردها ومن الزاوية المناسبة التي تضمن له مواصلة الضرب والصد والرد لأطول فترة ممكنة، وإلا لكانت ضربة أو ضربتين ضاعت بها الوتيرة وتبدد بعدها الزخم، وبالتالي المتعة والأهم المنفعة.

قبل أيام، كنت في زيارة أصدقاء من ولاية جنوبية مجاورة في بلاد العم سام، وحرصت ألا أتراخى عن الالتزام الرياضي اليومي بدعوى «السياحة أو السفر»! كانت مفاجأة جميلة، حيث فتح الخروج عن المألوف باب رزق جديد «ومن وسع»! لم ترتدّ الضربات كما حسبتها فأخفقت في صدها. مع التكرار استنتجت أن العلة ليس في المصدّ (اللوح الخشبي الذي يحاكي شباك المنتصف في ملعب التنس) وإنما في أرضية استقبال رد الصد، حيث جرى زرع نتوءات عشوائيا، لكن كما في العينات العشوائية، بمعنى على نحو علمي مدروس يتيح للاعب مستويات أعلى من التحكم في ردات الضربات، قياسا بما يتكرر أمامه من أنماط يدرسها من خلال رصد كيفية رد الصد!

كان بإمكان لاعب محترف سلبيّ أو مبتدئ متسرّع أن يسيء الظن بالمتعهّد فيحسبه مقصرا في عمله أو مرتشيا أو سارقا لمكونات الخلطة الاسمنتية أو الاسفلتية، لكن التمعن في النظر كثيرا ما يرينا أبواب «الرزق» الواسعة تلك المتاحة حولنا وإن حجبتها الضوضاء أو ضيّقت عليها الدهماء.

إن كانت هذه قواعد لعبة التنس الانفرادي فما بال قوم يخوضون في قواعد اللعبة وقواعد الاشتباك دون أدنى إعداد وتدريب على الصد والرد؟ ما بالهم يحسبون إتقان قواعد لعبة وهم لا يملكون القدرة على صناعتها ولا حتى إعادة تصنيعها، وإن ظنوا ذلك، فقدوا مبادرة فرض قواعدها!

الكثير الكثير من قضايانا ومشاكلنا تتطلب تلك القدرة على الفعل لا ردود الأفعال، على الضربة لا كما في كرة مضرب اليد «التنس» ولا كما في القدم بل كما في البلياردو، لا يرى الناس حسن صنعك ومدى تحقيقك للهدف إلا بعد تتبع كرات تضرب بعضها بعضا فترسلها تباعا إلى جرابها وفقا للترتيب الذي تريد دون أن تنبس ببنت شفة.. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك