الأخبار

عمر عليمات : الفصائل الفلسطينية وضرورة الانتصار على الذات

عمر عليمات : الفصائل الفلسطينية وضرورة الانتصار على الذات
أخبارنا :  

المرحلة التي تشهدها المنطقة مرحلة لا تحتمل أنصاف الحلول، وهي مرحلة سيكون لها ما بعدها شئنا أم أبينا، فوجه الشرق الأوسط مقبل على تغيير عميق، والعاقل مَن تسلح بكل أدواته لحماية مصالحه الوطنية، وعدم انتظار ما ستسفر عنه الحرب الحالية في غزة.

وإذا كان هذا هو المشهد بعموميته، فإن القضية الفلسطينية هي حجر الزاوية، وهي أول المتأثرين بغض النظر عن طبيعة هذا التأثر سلباً أو إيجاباً، فما يجري في المنطقة والعالم يؤكد أننا نعيش فترة مخاض عصيبة، وستُفرض بناء على نتائج هذا المخاض حلول وقرارات لا أحد يمكنه التنبؤ بمآلتها وعواقبها.

كل هذا يقودنا إلى أساس المشكلة الفلسطينية، وهو الصراع على النفوذ القائم بين الفصائل المختلفة، وخاصة بين حركتي فتح وحماس، فكل طرف يعتبر نفسه الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، فتح تتكأ على تاريخ طويل من النضال وترى بأنها الأحق في تمثيل الفلسطينيين والحديث نيابة عنهم، وحماس ترى أنها قائدة العمل الثوري وأن الحاضر هو الذي يحدد مَن يمثل الفلسطينيين وليس التاريخ النضالي، ولكل من الطرفين داعمين وممولين، ودول تقف مع هذه الطرف ضد الطرف الآخر.

في غزة، نحو أربعين ألف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى، وقطاع يُمحى عن وجه الأرض، وخلف هذا المشهد نكبة جديدة وهجرات ستأتي عاجلاً أم آجلاً، فغزة ليست مكاناً صالحاً للعيش لسنوات عديدة مقبلة، وفي الضفة استيطان يتوحش كل يوم، ويتسع إلى الدرجة التي أصبح الحديث فيها عن دولة فلسطينية قابلة للحياة ضرباً من ضروب التمنيات ليس أكثر.

في ظل هذا المشهد المأساوي، علينا أن نعترف أن الصراع على النفوذ بين حركتي فتح وحماس يُشكل عقبة رئيسية أمام تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني. فغياب الوحدة الوطنية واستمرار الانقسامات يُضعفان موقف الفلسطينيين التفاوضي ويُعقدان مساعي إقامة دولة فلسطينية، فبدلاً من مواجهة آلة الاحتلال الإسرائيلي تتفرغ الأذرع السياسية للحركتين للطعن ببعضهما البعض، وادعاء كل منهما أنها تمتلك الشارع، وتتحكم به.

الحركتان دخلتا مسارات تفاوضية عديدة ليس مع إسرائيل بل مع بعضهما، وفي كل مرة ينقلب أحدهما على الاتفاقات بمجرد العودة إلى فلسطين، وليس أدل على ذلك العهود التي قطعها كل طرف في أرض الله الحرام مكة المكرمة في العام 2007، وما أن خرجت أرجلهم من صحن الكعبة حتى بدأت الخلافات والانقسامات، والصراع على نسب التمثيل، ونسي الجميع أنهم يعيشون في ظل احتلال ينهش أرضهم ويحاصرهم ويستخدم كل الوسائل ليتمدد على كامل مساحة فلسطين التاريخية، وانهم ليسوا في دولة قائمة مستقلة ذات سيادة، وفيها أحزاب تتصارع على النفوذ السياسي، وتشكيل الحكومات.

مَن يريد قول الحق، فليضع أصبعه على الجرح، وليصارح الفلسطينيين بأن مشكلتهم باتت داخلية، وأن تحميل الدول الأخرى تبعات انقسامهم وصراعتهم الداخلية، لن يُفضي إلا إلى المزيد من الضعف وعدم القدرة على الحشد الدولي للضغط على إسرائيل، وسيبقى هناك مَن يستغل هذا الانقسام لمصالحه وأهدافه.

بالمحصلة يقول أرسطو: «مَن يهزم رغباته أشجع ممن يهزم أعداءه، لأن أصعب انتصار هو الانتصار على الذات»، وفي ظل الإبادة التي يعيشها الشعب الفلسطيني فعلى الفصائل الفلسطينية أن تنتصر على رغباتها في النفوذ والحُكم، وأن تضع مستقبل الفلسطينيين فوق أي اعتبارات سياسية، فالمرحلة لا تحتمل لغة الخطابات، وقد تكون هذه المرحلة هي التي تطوى فيها القضية الفلسطينية برمتها أو نشهد قيام دولة فلسطينية تنهي نزيف الدم المستمر منذ أكثر من سبعة عقود، وباختصار أمام الفصائل الفلسطينية خيار واحد لا بديل له إما الاتفاق وإما ضياع كل أحلام الدولة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك