الأخبار

بسام محمد ابو رمان : الأمن القومي العربي في ظل التراشق الإيراني الإسرائيل

بسام محمد ابو رمان : الأمن القومي العربي في ظل التراشق الإيراني الإسرائيل
أخبارنا :  

بينما زعمت إيران تحقيقها لكافة المكاسب المرجوةمن «هجوم» الرابع عشر من نيسان على «إسرائيل»، تفاخر جيش الاحتلال بصده حتى قبل عبوره الأراضي المحتلة! وبين القيل والقال، «أبدعت» الماكنة الإعلامية الإسرائيلية-مستقطبة صفوف الرأي العام الغربي تحديداً- في نشر ما جاد به خيالها من تضخيم لخطورة الموقف، والمعاناة التي تتكبدها حكومة الاحتلال للدفاع عن مواطنيها وسلامة مصالحهم؛ وإبعاد البوصلة عن فلسطين تباعاً.

في حين تاه الرأي العام العربي والإسلامي مجددا في تحديد موقفه بين من آمن بصدق النوايا لنصرة فلسطين، ومن افترض التوافق على حلقة مستحدثة من مسرحية شد الحبل. فهل كان ما شهدناه يومها نتاج مفضوح لنهج المؤامرة أم أنه تصعيد عسكري فعلي له ما بعده؟

علينا في معرض الإجابة أن نعي ابتداء بأن نظرية المؤامرة لا تعني بالضرورة افتراض الود أو الاحترام المتبادل بين الطرفين. بل أن المؤامرة تكمن في إجادة كل من الطرفين لاستغلال قواعد اللعبة السياسية وتحقيق المكاسب. وبذلك أعني- على سبيل المثال لا الحصر- قدرة إيران على اقتناص الفرص لملء الفراغ الذي تركة الافتقار الى الموقف العربي/الإسلامي الموحد تجاه فلسطين. وبالمقابل، ما نشهده من قدرة للمعسكر الغربي على استغلال شبح لـ"البعبع الإيراني» لتوسعة نفوذه !

ولعكس نطاق الأمثلة أعلاه على الواقع، تقوم تلك النظرية على قدرة إيران بالتظاهر بالندية والجاهزية لمواجهة الاحتلال الصهيوني. بينما يبقى ذلك التصعيد في حقيقته مدروسا بعناية؛ وضمن الحدود التي لا تبرر للغرب الداعم ل"إسرائيل» أي خسائر عسكرية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية-كتشويه سمعته الزائفة بتقديس حقوق الإنسان- في حال أن قرر الرد وقبول المواجهة. بل أن حنكة الدبلوماسية الإيرانية بلغت من الإتقان ما سمح لها على تحقيق المكاسب لخصومها من المعسكر الغربي عند اللزوم، في مقابل مضاعفة مكاسبها الجيوسياسية والإستراتيجية في المنطقة على حساب الأمن القومي العربي!

إذن فلنتفق على أن هذه النظرية تقوم أساسا على استفادة كل من الطرفين من وجود الآخر من خلال تحالف ندي ضمني- طالما فاقت الفائدة المرجوة منه أي خسائر قد تلحق بأي منهما بنتيجته.

وللاستيثاق من صحة وجود المؤامرة؛ علينا أن نقوم بتحليل طبيعة وشكل الهجوم الإيراني، بل والدوافع من ورائه، من خلال القاعدة أعلاه، ووفقا للمعطيات التالية:

1. تعي إيران تماماً- والمعسكر الشرقي المتمثل بروسيا والصين على وجه العموم- بأن المعسكر الغربي لا يملك بأي شكل من الأشكال أن يدير ظهره عن «إسرائيل» كأعظم استثمار جيوسياسي، بل وأكثرها كلفة، قام به في تاريخه- بحيث يشكل الوجود والهيمنة «الإسرائيلية» في الشرق الأوسط أعظم امتداد للنفوذ الغربي فيها، في حين تأمل الولايات المتحدة تحديدا أن تصل الى مرحلة من الاستقرار والهدوء تتيح لها التركيز على التحديات القادمة من قيادات المعسكر الشرقي بينما تعهد بشؤون الشرق الأوسط الى «إسرائيل».

2. إلا أنها تعي أيضا بأن التزام المعسكر الغربي الحتمي بالدفاع عن «إسرائيل» لا يشمل بالضرورة، الدفاع عن شخص ومنصب رئيس وزرائها الحالي. بل وتعي بأن الفضائح التي طالت القيادات والسياسات الغربية من دعمها الأعمى للفشل المتتالي لسياسة «النتنياهو» العسكرية وحرب الإبادة التي تشنها على أهلنا في غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي جعلت من الغرب خاصة في ضوء قيادة الحزب الديمقراطي الأميركي للمشهد أكثر ميلا نحو التخلص من «النتنياهو» وحكومته التأزيمية!

بناء على ما تقدم، قامت إيران بقراءة المشهد وتطوراته بشكل سليم منذ اللحظة التي صرحت بها «إسرائيل» بمهاجمة القنصلية الإيرانية- على خلاف كافة هجماتها المبطنة السابقة التي كانت تستقطب مصالح إيرانية غير مباشرة أو خارج الحدود الإيرانية دون أي إقرار «إسرائيلي» بالمسؤولية.

وقد قرأت إيران في ذلك استماتة «النتنياهو» لجر الغرب للتصعيد في حال قيامها بالرد العسكري- باعتبارها طوق النجاة الوحيد له. بينما لا يقل خيارها البديل بالسكوت عن اعتباره بمثابة الانتحار السياسي وظهورها بمظهر العاجز خاصة في أعين أذرعتها اللامباشرة في لبنان والعراق واليمن.

راوغت إيران بمنتهى الحنكة لحرمان «النتنياهو» من غايته بينما تحفظ ماء وجهها، ذلك بأن جازفت بالرد العسكري المذكور دون إخلال بقواعد اللعبة: قامت إيران باتخاذ كافة الخطوات اللازمة لضمان عدم قيام ردها العسكري بتحقيق أي أثر فعلي أو خسارة ملموسة تستوجب ارغام الغرب بالانخراط في مخطط"النتنياهو"- ومن أهمها التصريح بتفاصيل الهجوم والأسلحة، بل وسرعة تصريحها الرسمي لدى الأمم المتحدة على انتهائه!ولضمان تغاضي الغرب عن الضربة الإيرانية، قدمت إيران"بهجومها"ما يضمن له إعادة القدرة على تبرير دعمه العسكري لإسرائيل على الرغم من السخط الذي يلمسه من قواعده الشعبية الرافضة لحرب الإبادة في فلسطين. بناء على ما سبق، راهنت إيران على عدم التصعيد المقابل من «إسرائيل» لتظهر بصورة الند القوي على حساب فلسطين والأمن القومي العربي.

كما حظيت إيران على الدعم الضمني من قادة المعسكر الشرقي المتمثل بروسيا والصين- اللتان كانتا لتستفيدا (فيما يتعلق بأكرانيا وتايوان) في حال التصعيد الفعلي؛ من معايرة الغرب بالانخراط في حرب تخالف كافة معايير القانون الدولي في حال الانتصار للمعتدي الأساسي «إسرائيل» على حساب «الضحية» بعد الهجوم الغير قانوني على القنصلية الإيرانية!

وفي الختام، وبصرف النظر عن صحة ما اندرج تحت نظرية المؤامرة أعلاه- والذي أتركه لقناعات القراء؛ وبصرف النظر أيضاً عما إذا كانت إيران قد قامت بذلك الهجوم نصرة لفلسطين- على الرغم من إنكار إيران ذاتها له؛ فإن واقع الحال الذي نشهده اليوم يفرض علينا في البلاد العربية أن نعي بأن أيران ستجلس على طاولة الكبار شاء من شاء. ــ الراي

خبير القانون الدولي والمحلل السياسي

مواضيع قد تهمك