الأخبار

بشار جرار : ما عاد السكوت من ذهب!

بشار جرار : ما عاد السكوت من ذهب!
أخبارنا :  

غيرت الأزمان والأماكن من صلاحية وفعالية مقولات، بورك من صاغها وكذلك من طوّرها، لتواكب مقتضيات الحال وظروف الواقع. من تلك المقولات، «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب». هي تهوي بصاحبها إلى مدارك «الشيطان الأخرس» والعياذ بالله، فهو حال كاتم شهادة الحق، خاصة في زمن تموج فيه قطع الفتن في وضح النهار لا تحت جنح الظلام فقط.
من تجارب كثيرة، في أكثر من مكان ومناسبة وقضية، تذكّرنا الحياة بأن أكثر الملامين على الصمت هم فئتان: العارفون والقادرون -بمعرفتهم- على التغير أو التصويب، فذنبهم مركّب مضاعف، ولا عذر لهم أبدا.
من يلوذ بالصمت ليس دائما بحكيم أو ورع، بعضهم للأسف ينتظر ميل الريح، أتت به عواصف أم زوابع أم أمطار طوفانية! بل إن بعض الثقافات ومنها اليابانية، لا وجود للتقاعد عمليا مما يعني سد الباب على التقاعس. يعمل بجد ومثابرة، لا مجرد عدّ أيام وسنين فحسب، انتظارا للتقاعد مبكرا أم بعجز يزيد من حصيلة الراتب التقاعدي. البعض، يفني عمره من دخوله سوق العمل إلى خروج من هذه الحياة الدنيا، بمعنى «من المهد إلى اللحد». تلك كرامة من كرامات الأمم التي لا تكف عن البذل والعطاء لاعتبار ما تقدمه خدمة لا وظيفة.خدمة أصلها المحبة. لا وظيفة غايتها مصلحة أو منفعة أو أي مردود معنوي أو مادي. ما من أمنية أو بغية -سيما لمن اختار الخدمة العامة (القطاع العام)- سوى الرضى عن النفس واحترام الذات. هي بالنسبة لأحفاد إبراهيم عليه السلام، أمانة وضعها الله فينا كحبة الحنطة أو الخردل إما إلى بركة وغلال، وإما إلى اندثار وزوال.
هنا في بلاد العم سام، وأصل ثقافتها مازال والحمد لله كتابيا تحت شعار «بالله نثق»، يكون العمل في أحسن أحواله محبة وخدمة وبالتالي لا ينتهي بانتهاء ساعات الدوام أو الخروج وحتى الإخراج من الوظيفة، تسريحا أو طردا. لا يكاد شهر يمر إلا وسمعنا عن كتاب جديد أو دراسة أو مقالة بحثية أو تحليلية يضع فيها المؤلف عصارة جهده وخلاصة خدمته. ولأنها أمانة ورسالة، وفي بعض الأحيان ربح واستثمار وتجارة، تتخطّف القنوات والمراكز كل ذي جهد لتعميم الفائدة وبذلك طرح نفسها كأداة تنوير «غير ربحية» بل وتدفع رسوم بدل استضافة للمؤلف.
من أولئك المتقاعدين من الخدمة المدنية -قطاعا عاما كان أم خاصا- وأيضا الخدمة العسكرية – من نظاميّين ومتعاقدين، يخضع المضمون مسبقا إلى الاتفاق على خطوط تحريرية عامة، تحفظ الخصوصية ولا تسمع أبدا بإفشاء الأسرار لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى بالتلميح تحت طائلة القانون، والعقوبات فيه مغلّظة، لا تقتصر على الغرامات المالية بل تشمل السجن ولسنوات طوال كون إفشاء الأسرار قد يتم ربطه عبر مدعي عام متشدد بتهمة خطرة، كالخيانة والتآمر.
مثلا، ينتظر الناس وليس فقط الخبراء أو من هم الآن على رأس عملهم، ينتظرون من خبير صحي أو اقتصادي أو أمني كيفية الوقاية من خطر حاضر أو وشيك. الخوض في هذا الواجب لا يعني أبدا السماح بأي شكل من الأشكال الدخول في تفاصيل كيفية معالجة ذلك الخبير القضايا التي تعامل معها أثناء الخدمة.
وعليه، وفي ضوء بعض التجاوزات المؤسفة التي وقعت في النصف الأول من العام الأول لحرب السابع من أكتوبر وتداعياتها التي قد تستمر للأسف عدة سنوات وليس أشهرا، من الواجب كسر الصمت والتحرر من قيود وهمية. م ن واجب الجميع -كل حسب موقعه وقدرته- المساهمة في الجهد الأردني الوطني العام -في الوطن والمهجر- لمواجهة أعداء هذا الحمى الهاشمي المفدى، كائنا من كانوا.
الأغلبية الصامتة أو «حزب الكنبة» كما كان يسمى في مصر الشقيقة -ونحن وإياها في خندق واحد في التصدي لأخطر ما في أسرار عمليتي «طوفان الأقصى» الحمساوية و»السيوف الحديدية» الإسرائيلية- هذه الأغلبية مدعوة بمحبة وتقدير إلى أن نراها. وقد قيل: تكلّم حتى أراك.. كما بعد كل أزمة وجب المراجعة والفرز، لا حرج في مساءلة البعض عن صمتهم أو ترددهم. وأولى الناس بالعتاب من كان فضل الدولة عليهم والناس عظيما.. بمعنى «النخب» المؤثرون في العالم الحقيقي والافتراضي وحتى الاصطناعي! ــ الدستور

مواضيع قد تهمك