الأخبار

علي البلاونة : الأردن: على الحافة؟

علي البلاونة : الأردن: على الحافة؟
أخبارنا :  

كتب السير جونسون السفير البريطاني الأسبق في عمان ( 1956-1960) كتابا بهذا العنوان، وظل الأردن منذ ذلك التاريخ ملك إدارة سياسات التوازن والحواف القلقة في المنطقة، والتي أكسبته قدرات سياسية وأمنية خاصة واستشراف إستراتيجي ليحدد من خلالها مواقفه وسلوكه السياسي، رغم حساسية الظروف، والجديد أن الباحثة إميلي ميليكين وهي المتخصصة في إعداد تقارير إستخباراتية تعتمد على المصادر المفتوحة (Open-source software) كتبت مقالا في مجلة interestnational هذا الأسبوع، بعنوان (?Jordan: On the Edge) تناولت فيه وبحكم تخصصها في شؤون الشرق الأوسط، ومعرفتها المتخصصة بالأردن، كونها درست في الجامعة الأردنية، قالت فيه أن الأردن عرضة «لأنشطة إيران وداعش الخبيثة»وأن «الاحتجاجات تضع مكانة المملكة كمعقل للأمن والاستقرار في المنطقة على المحك» وأرادت ميليكين تدعيم أفكارها، بأن الأردن على علاقة وثيقة بالقضية الفلسطينية، وأن أحداث غزة، تؤثر على أمنه واستقراره، خاصة وأن جهات خارج الحدود تتربص به قادمة من سوريا والعراق، وهي تشير بذلك الى نشاط الميليشيات الذي يستهدف الأمن الأردني.

مشكلة ميليكين لتحليل التطورات والاتجاهات الأمنية في الشرق الأوسط والساحل وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، تعتمد بشكل كبير على المصادر المفتوحة، وعمليات الرصد لوسائل التواصل الاجتماعي باستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي AI، وهي حالة معمول بها في العديد من الشركات الخاصة التي تقوم بمحاولات فهم وتفسير التحولات والتداعيات والفرص والتحديات في هذه الدول، وعمليا الأردن، لم ينكر وجود هذه التحديات ويتعامل معها بشفافية واضحة، وقد حدد مصادر التهديد، ويلقى دعما دوليا وتنسيقا وجهات عديدة لحماية أمنه واستقراره، وقد أثبتت القوات المسلحة والأجهزة الأمنية قدرات عالية في التعامل وهذا التحدي على الرغم من وجود محاولات رصدتها ميليكين أثناء بحثها حول الأردن، تستهدف نشر الإشاعة والفوضى والضغط على مؤسسات الدولة الرسمية، خاصة وأننا نعلم ونعرف كيفية وإمكانية العبث في الخوارزميات وإدارة اللعبة بشقيها السلبي والإيجابي لدعم جهة على حساب الأخرى، وقد تعرض الأردن وأجهزته مرارا لمحاولات النيل منها، وإضعاف ثقة الجمهور بها، لكنها لم تكتشف بأن دعم الجيش والأجهزة الأمنية يعتبر عقيدة وطنية أردنية.

يخوض الأردن حربا مع تجارة المخدرات التي تقف خلفها دول وتنظيمات وميليشيات، ولا يتوقف ذلك على المخدرات فقط، بل وصل الى تهريب السلاح، والتلاعب بالعملات النقدية، وشراء الذمم، ولكن الأردن على المستويين الرسمي والشعبي ومنذ السبعينيات ورغم كل محاولات الاختراق الأمني لساحاته الداخلية، لم تتوج هذه الجهود بأي نجاح يذكر، يخل بالأمن الداخلي، أو لم يكن مرصودا وتحت أعين الجهات الأمنية فيه.

وبمنطق التحليل الإستخباري والفرضيات المتنافسة، لم تستطع ميليكين التوقف أمام نجاح السياسات الداخلية بمجملها، منذ السبعينيات الى الوقت الراهن، حيث الهجرات العربية العديدة وطالبي اللجوء والإقامة، وما يحمله ذلك من عبء أمني واقتصادي على البلاد، كما أنها لم تتوقف أيضا عند الفرضيات السياسية التي يحاول البعض تهيئة الأردنيين لإتخاذها، أو أحيانا اللعب على تعزيز الانقسامات الاجتماعية والوطنية، من دول تمتلك مهارات وقدرات وإمكانات وأهداف أكبر من الإمكانات المادية الأردنية، ومع ذلك، تم إستيعابها وامتصاصها جميعها، وإعادة تدويرها بما يخدم مصالحة الأردن العليا، ولو أن هناك إمكانية لاستعراض بانورامي لحالات التدخل والاستهداف والتوجيه والتأثير الخارجي على الاردن، لتوصلت الى قراءة استخبارية تفيد بأن هناك سرا خاصا في صناعة الأمن والاستقرار السياسي والاجتماعي على الرغم من التحديات والمعيقات العديدة.

والأردن والحكومات الأردنية، تلجأ في أحايين عديدة وطارئة لتبني خيارات وسياسات متشددة في قضايا ذات تأثير على الأمن الوطني الأردني، من تقييد وفرض قوانين ينظر اليها بأنها تحد من حريات التعبير والنشر، ولكن الأمر لا يتوقف على الاردن كبلد وحيد في هذا المجال في محيط متلاطم، وإنما حاله كبقية الدول التي تضع الأمن الوطني في الاعتبار الأول، وإلا لما توجهت الأدارة الأمريكية وأجهزتها الأمنية نحو فرض عقوبات على شركة التيك توك، أو عقوبات على بعض النشطاء والفاعلين في الأشهر الأخيرة بسبب موقفهم مما يجري في غزة، ووصل الأمر الى رؤساء الجامعات الأمريكية العريقة.

أما العلاقة المتوترة مع إسرائيل، هي علاقة متوترة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي واليمين الإسرائيلي منذ سنوات عديدة، وهذه العلاقة تخضع للتقييم بشكل دوري وفقا لمتطلبات المصالح الأردنية، واذا شهدت في الفترة الراهنة توترا، فهذا لا يعني الاردن، بل أمر فرضته الأحداث والتعاطي الإسرائيلي معها، بحيث ناقضت الحكومة الإسرائيلية كافة تفاهماتها الإقليمية بأن هدفها صناعة السلام والأمن والاستقرار، وظلت تبرر ذلك بعدم وجود شريك إستراتيجي لحل القضية الفلسطينية، وكم من مرة حذر الملك في وسائل الإعلام الأمريكية من مجريات السياسة الإسرائيلية ونتائجها الكارثية.

جلالة الملك عبد الله الثاني كسياسي وعسكري محترف لديه رؤية إستراتيجية بعيدة،فقبل غزو العراق، قال للاعلام الغربي بأن الإطاحة بالنظام العراقي على مشكلاته سيؤدي الى انفراط عقد الأمن الإقليمي، كحبات البندورة، وأن هذا سيكون ملاذا آمنا للإرهاب والتطرف، وسيؤدي الى وجود هلال فارسي في المنطقة، حيث لازالت النخب الأمريكية تعيب على إدارتها بأنها فشلت منذ سنوات بفرض سياسة الردع ضد إيران وميليشياتها، والذي أنتج غيابه وضعف التعامل معه المزيد من الأعمال الإرهابية المتطرفة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك