الأخبار

مصطفى الريالات يكتب : « الانتـقـال الكبيـر » يرصـد استقرار الأردن بوجه التحديات

مصطفى الريالات يكتب : « الانتـقـال الكبيـر » يرصـد استقرار الأردن بوجه التحديات
أخبارنا :  

مصطفى الريالات رئيس التحرير المسؤول

كتاب توثيقي مهم للسياسيين والإعلاميين والمثقفين وسائر المهتمين

«الاستثناء الأردني» شكّل حالة فارقة في المنطقة رغم كل الظروف

الــقــرار الـــوطـــني نـــابـع مـــن إرادة صــلبة أساسها مصلحة الأردن وأهله

صـورة صـادقـة لـمـدى اسـتـقــرار ثــــوابت الــدولـــة والـمـجتـمـع ونـضــوجـهــا

قــــوة الـــهـــويـــة الـــوطـنــية الأردنـــية بـــرزت فـــي زمـــن تمزُّق الهويات

الأردنيون أدركوا أهمية الالتفاف حول القيادة والدولة بوجه الأخطار

قيم الدولة تبلورت عبر عقود طويلة من الممارسة العقلانية للحكم

الاعتدال والمنعة والوضوح الأخلاقي والتنوع سمات للدولة وللأردنيين

فهم حالة القيم السياسية والثقافية أسهم في فهم حالة الاستقرار الأردنية

لعل العنوان الأبرز في مسيرة ربع قرن من العهد الميمون لجلالة الملك عبدالله الثاني، أنها كانت مسيرة الانتقال بالأردن نحو مسارات أكثر وضوحاً في النواحي السياسية والاقتصادية والإدارية، سرنا معها بصلابة وثبات نحو تحقيق أهدافنا الوطنية رغم عديد التحديات والأزمات والتحولات الكبرى على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

وتوثيقاً لهذه المرحلة المهمة من عمر الدولة الأردنية يأتي الإصدار الجديد (الانتقال الكبير.. الأردن في القرن الحادي والعشرين: ازدهار ومنعة)، ليشكّل هذا الإصدار خطوةً مهمةً تُعبّر عن إدراك أهمية توثيق هذه المرحلة المهمة في تاريخ الدولة الأردنية والتي شهدت تحولات وانتقالات كبرى في الكثير من القضايا المفصلية، فتعامل معها جلالة الملك عبدالله الثاني بحكنة، مدركاً أبعاد التحولات والأزمات في المنطقة ومآلاتها.

وبقي جلالة الملك واثقاً بقدرة الأردنيين والأردنيات على الصمود والاستمرار في البناء، مؤمناً بحكمة الشعب الأردني ووعيه، ورفض الخضوع للتوقعات اليائسة، أو الارتهان للشكوك واليأس والتشاؤم، ليثبت القائد مع أبناء شعبه أنّ الظروف الصعبة من حولنا لن توقف مسيرة الأردن، ولن تُثني عزيمة الأردنيين الصلبة، تلك التي تحمل إرثاً من البطولات والتضحيات والإدراك، وتفهم المُتاح من المُحال في ظل إقليم تبرعمت فيه مشاريع الفرقة والتشتيت بشكل متسارع، تعامل معها الأردنيون بوعي وحكمة، ونرى نتاجها اليوم باستقرار الوطن، في حين أن أنظمةً ودولاً أخرى باتت في عداد التاريخ.

لقد قاد جلالة الملك مع باكورة القرن الحادي والعشرين، هذا الوطن معززاً الإنجازات ومُحدثاً بُنى الدولة وأدوارها، وسط بيئة إقليمية ودولية معقدة كشفت عن تحديات استراتيجية وأمنية غير مسبوقة في التاريخ الحديث؛ إذ شهدت المنطقة حروباً طاحنةً، وانقسام دول، وزوال أنظمة حكم، وحلول الفوضى والحروب الأهلية، وظهور مصادر تهديد جديدة، لكن الأردن استطاع خلال الربع الأول من هذا القرن أن يُشيّد نموذجه الخاص في البناء والتحديث والتكيف.

واستطاع الأردن صياغة نموذج خاص به وفق معادلة «الازدهار والمنعة»، التي حافظت على الدولة الأردنية وأبقت مؤسساتِها قوية ومتماسكة، وحمت وحدة المجتمع الأردني في مواجهة التحديات والصدمات منذ بدايات الحرب على الإرهاب وتصاعد «الإسلاموفوبيا»، مروراً بالغزو الأميركي للعراق وتداعياته و»الربيع العربي» واستقبال مئات الآلاف من اللاجئين، ثم عودة الإرهاب والتنظيمات المتطرفة وسيطرتها على مساحات واسعة من دول الإقليم، وصولاً إلى جائحة «كورونا» وتعمُّق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والدور الإيراني في المنطقة والعدوان الإسرائيلي على غزة.

وقد شكّل الأردن وسط هذه الظروف المعقدة الاستثناء في المنطقة، إذ حافظ على قدرته على البناء وتحقيق المزيد من الإنجازات الوطنية في المجالات المختلفة؛ الأمر الذي مكّن الدولة من الانتقال الحقيقي للقرن الحادي والعشرين عبر تحديث الاقتصاد الوطني وتدشين المؤسسات الوطنية، في الوقت الذي تضاعفت فيه قدرات البلاد في البُنى التحتية وواكبت جودة الخدمات العامة ونوعية حياة الأردنيين والتغييرات الديموغرافية والاجتماعية المتسارعة.

ويأتي هذا الإصدار التوثيقي لأول مرة في تاريخ الدولة الأردنية، في مناسبة عزيزة على كل الأردنيين، بمرور 25 عاماً على تولّي جلالة الملك سلطاته الدستورية (اليوبيل الفضّي)، ويشتمل على سبعة فصول؛ تتناول قيم الدولة الأردنية والاستمرارية والتجديد فيها، والمنظور الاستراتيجي الذي أدارت من خلاله الدولة تفاعلاتها مع الأزمات والتحولات في المنطقة، ويشرح النهج الذي قاد به الملك البلاد وسط أزمات كبرى، وكذلك استعراض التطورات التي شهدها الاقتصاد الأردني والانتقال نحو الأولويات العالمية الجديدة والسعي للاعتماد على الذات، وأيضاً التحديات التي لازمت الاقتصاد الأردني.

كما يُوثّق رصداً للتطورات التي شهدتها الخدمات العامة؛ وبخاصة في قطاعات التعليم العام، والتعليم العالي، والصحة ونوعية الحياة، والنقل، والبُنية التحتية، والثقافة، والشباب والرياضة، والكيفية التي عملت بها على تطوير نوعية حياة الأردنيين خلال الربع الأول من هذا القرن والتي انعكست في العديد من المؤشرات.

ويختم هذا المُنجز التوثيقي التطورات التي مرّت بها الإدارة العامة وبناء المؤسسات وتعزيز سيادة القانون والحوكمة الرشيدة، ومناقشة العلاقة بين المجتمع والدولة، التي اتّسمت في سنوات الربع الأول من هذا القرن بالمزيد من النضوج والاستقرار في بيئة صعبة ومعقّدة في الجوار، واستطاعت الدولة خلالها أن تعبر بالمجتمع الأردني إلى برّ الأمان وسط كل هذه التحولات، وذلك باستمرار تراكم الإصلاحات السياسية والنهج التدريجي الذي اتُّبع في صيانة المؤسسات السياسية وتفعيل أدوارها ونسج علاقة مرنة مع مطالب المجتمع السياسي، وصولاً إلى مشروع التحديث السياسي، الذي سعى جلالة الملك من خلاله إلى تحقيق مشروع وطني كبير مع باكورة المئوية الثانية للدولة.

إن هذه الوثيقة تُعد بالفعل مرجعاً مهماً للسياسي والإعلامي والمثقف، ولسائر المهتمين، فهي تشرح بلغة علمية كيف واصل الأردن مسيرته رغم كل الظروف، وكيف حافظ على وحدته وعلى استقراره، وكيف استطاع العبور بكل أمان وشكّل الاستثناء كحالة فريدة في المنطقة، وكيف كان قراره الوطني نابعاً من إرادة صلبة أساسها الثوابت الوطنية ومصلحة الأردن وأهله، بعيداً عن الضغوطات، حيث عكست سنوات الربع الأول من هذا القرن صورةً صادقةً وموضوعيةً عن مدى استقرار ثوابت الدولة والمجتمع ونضوجها، واتّضح ذلك في قوة الهوية الوطنية الأردنية وبروزها، في زمن شهدت فيه العديد من الهويات في المنطقة إحباطاً وتمزقاً، ودارت حولها حروب وخلفت مآسي وويلات أثناء اختبار العلاقة بين الأنظمة والمجتمع.

وقد بدا جلياً إدراك الأردنيين لأهمية الالتفاف حول القيادة والدولة في مواجهة الأخطار. وكذلك هي الحال في نضوج قيم الدولة الأردنية التي تبلورت عبر عقود طويلة من الممارسة العقلانية للحكم، وأصبحت قيم الاستمرارية والتجديد والاعتدال والوسطية والمنعة، والوضوح الأخلاقي والتنوع وغيرها، سمات للدولة وسمات للأردنيين أيضاً.

خلاصة القول أن فهم حالة القيم السياسية والثقافية، وحالة استقرار الهوية ونضوجها في هذه المرحلة، أسهم من دون شك في فهم حالة الاستقرار التي شهدتها المملكة بقيادة جلالة الملك، وطبيعة التحولات التي مرت بها، والتي شكّل بعضها حالةً استثنائيةً وفارقةً عمّا يحدث في الإقليم.

مواضيع قد تهمك