الأخبار

رمضان الأجداد بالكرك.. حنين لطقوس وذكريات أودت بمباهجها المعاصرة

رمضان الأجداد بالكرك.. حنين لطقوس وذكريات أودت بمباهجها المعاصرة
أخبارنا :  

الكرك - نسرين الضمور

* القهوة العربية ومشروب القمر دين من الأساسيات

لشهر رمضان المبارك في الذاكرة الشعبية الكركية نكهة خاصة ترتبط بدلالات واعراف وتقاليد اجتماعية وحنين لعصر ذهب بوداعته وعفويته، حيث صور المودة والتراحم والتكافل التي تؤلف بين الجميع بعيدا عن تعقيدات الحياة ومنغصاتها التي أرخت بظلالها على المجتمع فتبدلت معها الكثير من الطقوس الرمضانية التي كانت سائدة في العقود الخوالي.

ويسترجع الباحثان نايف النوايسة والدكتور يوسف الحباشنة شريط ذكريات رمضان الامس المفعم بالايمانية قبل ان نصبح كما قالا نهبا للمعاصرة بوسائلها التكنولوجية الحديثة التي اودت بالكثير من مباهج رمضان وموروثه القيمي وتجلياته الروحية.

ويقول الباحث والاديب النوايسة: إن رمضان شهر استثنائي بكل لحظاته، وكأن الجوع يخفف من قساوة القلب ليرى الإنسان من بوابة الرحمة والطاعات ما كان محجوبا عليه في شهور اللهاث وراء الدنيا وزينتها، مضيفا لم يكن اهلنا قديما غلاظ القلوب وانما كانوا أكثر توادا وحميمية وكانوا في مأمن من لوثة التكنولوجيا التي عصفت بالمشاعر والوجدان وحولت الإنسان إلى ما يشبه الشيء، وغابت عنه الكثير من الأعراف والتقاليد والعادات الحميدة.

وتابع النوايسة: قديما كنا ننتظر قدوم شهر رمضان قبل 3شهور من مجيئه، والناس يدعون «اللهم بلغنا رمضان لا فاقدين ولا مفقودين» وكانوا يعدون الأيام بدقة ويراقبون الهلال دون أن يعتمدوا مصادر خارجية فلم تكن وسائل التواصل والإعلام معروفة ويربطون ما بين (دبة) مدفع رمضان عند قلعة الكرك وبين مراقبة الهلال، فإذا ثبت لهم حلول الشهر المبارك أشعلوا النيران واطلقوا العيارات النارية كي تعلم بقية العربان بحلول الشهر الفضيل، أما في المدن والقرى فيتم الاخبار عن طريق المآذن ومدفع رمضان.

وأضاف: تكمن قيمة رمضان الروحية في أجوائه الخاصة التي يسود فيها التواد بين الناس والتصافي والمحبة، ويعد شق شيخ(العرب) أو ديوان المختار منصة رمضانية يلتقي فيها كل الساكنين في تلك المرابع والحارة، يتناولون في معظم الوقت فطور رمضان دون أن يغفلوا عن حصة النساء والأطفال ويتفقدون بعضهم، فإذا كان هناك متخاصمون فإنهم يحضرونهم ليتصالحوا ولا يغيب عنهم المريض والمرأة النفساء ويسمونها (الحورية) ويبعثون لهما من اطيب الطعام، لكن في هذه الأيام قال النوايسة غابت هذه الصور بسبب التباعد في المنازل واختلاف مصدر الدخل الذي يشك? مفصلا مهما في اجواء رمضان، كما لعبت وسائل التواصل والتكنولوجيا الحديثة دورا كبيرا في تباعد الناس عن بعضهم ولم تعد الأجواء الشعبية القديمة ممارسة عندهم.

وعن وجبات الإفطار في تلك الحقب، قال النوايسة: أكل بسيط من خيرات أرضهم وأغنامهم ومع كل هذه البساطة يحسون بالرضى والقناعة، مضيفا ان اعداد الوجبات كان ينحصر في اطار مكونات «المونة» من مواد أساسية يجهزونها قبل رمضان وكانوا يحضرونها من السوق كالطحين والسكر والجريش والعدس، والتمر والقمردين والقهوة، وأما اللحوم واللبن والسمن فهي موجودة لديهم كونهم أصحاب اغنام.

واضاف: كان المنسف من ابرز الاكلات التي يتم اعدادها من (العيش) وهو جريش القمح المطبوخ باللبن واللحم والذي يلازمه خبز الشراك، وأحيانا يكتفون بـ(العيش واللبن) وتوصف حالة الطبخ بـ(رتشبوا)، بمعنى أنهم وضعوا القدر على النار لإعداد الطعام، وهناك اكلة «الفتة» التي تختلف مسمياتها من منطقة لاخرى في المملكة فهي اضافة الى «الفتة» الفطيرة او المجللة اوالغلاسي وتعد من خبز الطابون غير المختمر ومريس لبن الجميد وهذه الاكلة لا يستقيم امرها الا بسكب اكبر كمية من السمن البلدي المذاب فوقها، كما يتم اعداد خبز (العربود) وهو قرص ?لنار للفت فيه مع السمن واللبن وأحيانا بالحليب.

من جانبه،قال الباحث الدكتور يوسف الحباشنة: لم يختلف جوهر عبادة صوم رمضان بين الامس واليوم، لكن اذهبت المعاصرة بتجلياتها المختلفة الكثير من مفردات الحياة الشعبية في الكرك بروحانيتها وعفويتها المرتبطة بالشهر الفضيل لتحل مكانها انماط جديدة مرتبطة بحاضر معاش لا يخلو من متطلبات الحياة الصعبة.

واضاف الحباشنة في الماضي كانت وسائل الاعلان عن بدء الافطار والامساك عن تناول الطعام تتم من خلال اطلاق طلقة ذات دوي عال من مدفع عثماني كان مثبتا على سور قلعة الكرك الشمالي تسمعها معظم مناطق محافظة الكرك واذا لم يتيسر سماع المدفع فتعمد الناس لمشاهدة قرص الشمس عند المغيب، وان تعذر كل ذلك فليس امامهم الا الاصغاء لعل صوت اذان يسمع من مكان مجاور، والا فالاجتهاد والتشاور بين المصلين في مكان الصلاة الجامعة.

واوضح أن كثيراً من المصلين كانوا يحضرون معهم طعاما للمصلين او لمن يشاء من المارة او مجاوري المصلى وغالبا ما يكون اشكالا من الفت «فطيرة الخبز باللبن والسمن البلدي، او الخبز بالحليب والسكر والسمن والرشوف او المدقوقة وهناك ايضا «فتة العدس» وقوامها عدس مطبوخ على شكل شراب، يفتت فيه الخبز ويضاف اليه السمن واحيانا قليلة بزيت الزيتون.

وأضاف: كثيرا ما كانت تقام الولائم والتي غالبا تتكون من اكلة «المنسف» الشهيرة او «الفطيرة يدعون فيها الجيران بعضهم لتناول وجبه الفطور او اكراما لضيف قصد هذا الحي او المضرب فيطال خيرها كل اهل الحي دون منة، فالدعوة للولائم كانت تجمع أهالي الحي أو سكان المضرب فقيرهم وغنيهم يلتفون حول مائدة الإفطار جنبا إلى جنب.

وبين الحباشنة أن مشروب القهوة العربية من اساسيات موائد رمضان واول مشروب ساخن يتناوله الصائم بعد اتمام افطاره، ويحتل مشروب القمر دين المرتبة الثانية حيث كان يحرص على تواجده ضمن مائدة الافطار والسحور لانه يخفف من العطش اضافة لطعمة اللذيذ.

واضاف الحباشنة: لا ترتبط ذكريات رمضان الامس بالمأكل والمشرب، بل هناك اجواء اجتماعية ممتعة بعد صلاة التراويح فكان الناس يتبادلون «تعاليل رمضان» ليالي سهر لقضاء الوقت والتسلية مرة في منزل فلان وأخرى في منزل آخر وهكذا، حيث الاحاديث الاجتماعية سيدة الموقف فيما يتولى احد الاشخاص سرد ما يحفظ من قصص او قراءة روايات من كتب كانت تستجلب من الشام ومصر (تغريبة بني هلال، وابو زيد الهلالي، والزير سالم، ومحمد الغريب وغيرهم من مشاهير العرب في الاسلام والجاهلية)، فيما كانت الربابة رفيقة جلسات السمر يوقع عليها العازف اعذب ا?الحان من قصائد شعرية تفيض بالاحاسيس والدروس والعبر.

ومن الطقوس الرمضانية التي بتنا نفتقدها الان قال الحباشنة: المسحراتي حيث كان ينتدب لهذه المهمة شاب للضرب على الطبل عند السحور يجوب الاحياء والازقة ليذكر الناس بقرعات طبلة بموعد وجبة السحور مرددا ادعية دينية وعبارات روحانية تسترعي المشاعر «يا نايم وحد الدايم، قوم تسحر يا صايم» وقد ينادي كل صاحب بيت باسمة لايقاظه.

ــ الراي

مواضيع قد تهمك