الأخبار

م . مهند حدادين : هل ينهار الاقتصاد العالمي؟

م . مهند حدادين : هل ينهار الاقتصاد العالمي؟
أخبارنا :  

م . مهند عباس حدادين :
هذا السؤال الذي يدور في ذهن جميع خبراء الاقتصاد والمصرفيين والساسة صانعي القرار في العالم, نتيجة ما حصل في بنك السيليكون فالي SVB, وهل تستطيع الولايات المتحدة إنقاذه خشية الوقوع بما حصل عام 2008 من انهيار للاقتصاد العالمي, وما أوجه الشبه بين الحالتين؟ وما هي الإسباب الحقيقية وراء ذلك؟ كل ذلك سنقوم بتوضيحه وتحليله باختصار من الناحية الاقتصادية في هذه المقالة.

سأبدأ مقالتي هذه بتشبيه عدوى النقود بعدوى الكورونا, حيث أن مشكلة النقود التي تسبب الانهيار الاقتصادي تبدأ في دولة ما بمشكلة في أحدى بنوكها, فعند انهياره وهو أن يقوم العملاء بفقد ثقتهم بالبنك وقيامهم بسحب كمية كبيرة من النقود المودعة في وقت معين, ثم تتفشى هذه الظاهرة لبنوك أخرى في هذه الدولة ثم تنتشر لبلدان أخرى وهكذا, وبعدها سيتأثر الاقتصاد العالمي بانخفاض حاد للعملات والأسهم والبورصات والتي ستؤدي إلى فقدان الوظائف وإغلاق للشركات والمشاريع الاستثمارية والبحث عن الملاذات الآمنة, يعني ذلك فقدان الاقتصاد العا?مي لنسبة مئوية من ناتجه المحلي الإجمالي, تعتبر خسارة عالمية نتيجة للهبوطات الغير متوقعة وهذا يعمل ضغطا كبيرا عكسيا على سياسات البنوك الفدرالية, كل ما سبق ينطبق على عدوى المرض, فلو تم محاصرة العدوى في بؤرتها ومعالجتها وإجراءات الوقاية لها لما انتشر في تلك الدولة التي بدأ فيها وتوسع ثم خرج خارج حدودها لبقية إنحاء العالم, وخسرنا ما خسرناه من الأرواح البشرية وغيرها وهذا ما حصل مؤخراً في جائحة كورونا.

إن المشكلة الاقتصادية السابقة التي حصلت في العالم عام 2008 نتيجة إنهيار في بنك ليمان براذرز والذي لم يتم إنقاذه آنذاك ب 30 مليار دولار, مما كلف العالم وقتها خسائر قدرت من 1.0 -1.5 ترليون دولار نتيجة حل هذه المشكلة من قبل العالم والتي كان سببها التمويل العقاري لهذا البنك, وهي الآن تتكرر مع بنك السيليكون فالي SVB لكن بوجه آخر وهو من خلال الشركات التكنولوجية الناشئة.

فمشكلة هذا البنك بدأت وتعمقت بعد أخذ الثقة الزائدة بنشاطاته وخدماته الغير مصرفية لتقديم خدمات للشركات الناشئة خارج تمويله, وتوسع بخدمتهم من تأمين مستثمرين وحاضنات ومحركات وبرامج محاسبة وخدمات لتخفيف الكلف التشغيلية على هذه الشركات, وقيام أعداد كبيرة من المودعين في السابق بإيداع مبالغ هائلة بعوائد منخفضة للحصول على بعض من خدمات هذا البنك. تزامن ذلك مع سياسات الفيدرالي الأمريكي برفع الفوائد على الدولار بنسب مرتفعة من خلال الرفعات المتكررة للتغلب على نسب التضخم, أدى ذلك إلى إنخفاض قيمة السندات الأمريكية العمي? الرئيسي للبنك في وقت أراد العملاء المحافظة على ودائعهم, مما دفع بالبعض إلى السحوبات الغير متوقعة من هذا البنك, إضافة إلى قيام بعض من هذه الشركات الناشئة التكنولوجية لتباطؤ أدائها وما ترتب عليها من إلتزامات مالية قادها لمثل تلك السحوبات, فكما حقق البنك ودائع بكميات كبيرة الأعوام الماضية تم سحبها بشكل سريع هذه الفترة.

فلو كان هناك تحوطات مالية متنوعة، وأخذ المخاطر الكافية في الأداء, وكذلك سياسات الفدرالي الأمريكي التي إنشغلت برفع الفوائد دون مراقبة أداء البنوك, لأن الخطوات السريعة لأي بنك تحتمل المزيد من المخاطر, فالأرباح السريعة والتوقعات لها إذا لم تُبنى على نماذج بإحتساب المخاطر والمتغيرات قد يُطيح بالنظام البنكي بالكامل عند تعرضه لأي خلل.

لذلك على الإدارة الأمريكية التدخل السريع لتجنب تكرار ما حدث عام 2008,حيث أن ودائع الأمريكيين في البنوك الأمريكية تُقدَر ب 20 ترليون دولار وهناك حلان لا ثالث لهما لهذا البنك, خشية قيام الأمريكيين بسحب ودائعهم من البنوك والتسبب بازمة مالية عالمية:

الأول: يكمن بالترتيب لشراء هذا البنك من قبل بنكين أو أكثر لإحتواء الأزمة.

الثاني: قيام وزارة الخزانة الأمريكية بالتدخل السريع بالتعويض وضخ النقود لهذا البنك, حتى لو كان ذلك من جيبة دافعي الضرائب الأمريكية, لإنقاذ الاقتصاد العالمي بشكل عام والاقتصاد الأمريكي بشكل خاض ومن ضمنها البورصة الأمريكية والأسهم والسندات والعملات, فأيهما أهم دعم الحرب الروسية- الأوكرانية بمبلغ 150 مليار دولار أم توجيه الدعم لهذا البنك حيث أن حجم الودائع قبل السحب في هذا البنك كانت تساوي لهذا المبلغ بسقفها الأعلى؟

أما بالنسبة لوضعنا في الأردن, فإن التحوط المالي الذي تقوم به سياستنا المالية وعلى رأسها البنك المركزي بإداراته القوية, وتواصلها مع البنوك الأردنية وإجراءاتها الحصيفة تضع جانب المخاطر في كل حساباتها, بدءا من التشديد في الاقتراض والرهونات والكفالات وضمانات الودائع ووضع نسب وسقوف لجميع هذه الإجراءات ومراقبتها الدقيقة, فرغم قسوتها, إلا أنها تأتي بثمارها في الأزمات, إضافة إلى إحتياطات العملات الأجنبية الحالية والبالغة 17 مليار دولار. ــ الراي

الخبير في المجال السياسي والاقتصادي والتكنولوجي

mhaddadin@jobkins.com

مواضيع قد تهمك