الأخبار

د. عائشة الرازم : قلوب حنونة ونفوس مرهونة

د. عائشة الرازم : قلوب حنونة ونفوس مرهونة
أخبارنا :  

د . عائشة الخواجا الرازم :


وكأنني أجريت استفتاء على قبول المجتمع التربوي والتعليمي، للقسوة والشدة ضد التلاميذ الصغار. فوجدت بأن المعلمين هؤلاء لا يشعرون بالحزن مع استخدام العصا او الكف او الصفقات او شد الشعر أو شد الأذنين او الركل في القفا او ضغط على الأصابع على الأقلام لتكسير عقد الأصابع الطرية، أو خبط الرأس بالجدار أو اللوح أو ضرب البوكسات أو السوينجات على الوجه.

الحقيقة الصادمة أن الكبير حين يشد أذن الطفل المستجد الخالي الذهن والقلب من معلومة وسلوك الكبير، لا يستجيب بل يغيب. أما هؤلاء المعلمون فيكونون بحالة غياب تام عن الإحساس بالحنان.

لكن الصدمة الأحلى انني وجدت هنا حجما هائلا من الاحتجاجات والبراهين والدفوع ممن هاتفتهم من المعلمين. ووجدت في المجتمع التربوي حالة نقص خطيرة لم يكن في حسابي مثلها. ووجدت أنني أدافع عن براءة ليست في حساب المعلم التربوي أبدا أبدا.

واصطدمت بعبارات مفعلة عمليا بأيدي ومساطر وعصي التربويين بدل الرأفة وتقدير حالة الطفل المفتقر للعصا بيده ليطس بالمقابل بها معلمه أو معلمته التي تستضعف الوافد الضعيف تحت هيمنتها فتتقاوى.

الحوار يدور بيني وبين المجتمع التربوي بأسلوب الطرم ، يشبه (حوار الطرشان) فهو يملك الدافع العضلي والنفسي والغضب المهني والحنق الجهدي، ويملك مبررات الاحتجاج ، لكنه يصب كل هذه الممتلكات ضد الأضعف خلقا والمتوفر بين يديه ، وبحجة تقشيره لحما عن عظم، فلا طائل من دفاعي عن فئة فتية وطرية لم تختبر الحياة والاحتجاج عند معلمها إلا عنفا موجها للفاقد القوة ، فقررت بأن في الوسط التربوي (جريمة كامنة) لا ينتبه لها مسؤول يقظ الضمير حي المشاعر على الإطلاق.

والجريمة ليس من الضروري ان تكون مكتملة الشروط، لكنها أكثر اختفاء وأخطر من الجرم المكشوف، إنها تكمن متسربة مثل خيوط الدم في التراب، وتنسل لأجساد ونفوس متعددة في نفس اللحظة، وتدفن دون تكوين جسد.

إنها تتسلل في عقل وفؤاد الملذوع الصغير ويمكن أن تتدمر خلايا قابليته للعلم ، ويمكن أن تزرع في تربته نقمة مستدامة.

ويمكن أن تبقى خفية تسخن تحت التراب لا يكشف سرها حتى الأبوان. وللعلم الدم لا يجف.

ومن المؤكد حسب الممارس أن أصل ينبوع الكراهية المغطى بذريعة التربية والتعليم ،وإن جفاف العاطفة والحنان لا ينبع من التلميذ، فالتلميذ مستعبد مأمور مستضعف، وجاء إلى المدرسة خاضعا، فبدل أن يرفعه المعلم ويستبدل خضوعه بالتعزيز والرفع المعنوي حتى لو كان (هبنقه)، نجد المعلم يضاعف من الضغط الناشف ضد التلميذ، وللعلم كلما أخفى التلميذ رأسه بذراعيه وبكى وتنشغ وبلل زيه بالدموع، يزداد المعلم عنفا.

وهذا يعني اكتمال شروط العنف الإجرامي، حتى لو لم يتعطل عضو واضح في التلميذ، وهنا يكون التعطل أكبر ويكون أوسع وأشمل في جسد ونفس وكرامة ومعنويات الطفل، ويعم خارطة كيان عالم يكمن في طفل تلميذ واحد.

وهذه الحقيقة المؤلمة لا يعترف بها المربي الفاضل، فهي بالنسبة له ملغاة حتى يكبر الطفل التلميذ ويصبح مثله تماما وربما أشد عنفا وقسوة ضد تلامذته، فيندم وتتوالى عمليات الندم . فلو قدر للطفل أن يفلت من حالة التوحد التي يسببها المدرسون والمدرسات في مدارس يموت فيها واجب المشرف بحكم استخفاف مؤسسات التربية والتعليم بالإشراف النفسي. لو قدر له لقاوم. لكنها غطرسة الكبير بقامته وعضلاته وعصاته وكلماته وحجة وظيفته.

نعم..نعرف أن الشدة لها أسبابها في المجتمع التعليمي التربوي وفي أذياله، ولا أوجه اتهامي بتقزيم هذا الجيل وانحرافه نحو الهاوية والشفرة والعدوان إلا لافتقاد مجتمع العلم والتربية لأساليب غرس الحب والحنان والاحترام للصغار ذلك لأنهم تشربوا من نفس الكأس.حيث لا احترام لمن لا يملك قوة التعبير أمام معلمه .وإذا فتح فمه فهو في قصاص وعقاب وإذا أمسك بيده عصا معلمه وصدها عن جسده دفاعا فسوف يتحطم بين يدي معلمه في المدارس، مدارس قلوب حنونة ونفوس مرهونة.

ــ الدستور


مواضيع قد تهمك