الأخبار

بشار جرار : ظلم ضحايا الإرهاب وظلمات أربابه

بشار جرار : ظلم ضحايا الإرهاب وظلمات أربابه
أخبارنا :  

من تدمر في سورية -مرورا بألمانيا- إلى رود آيلاند في أمريكا وانتهاء بشاطئ بونداي الشهير شرق سيدني في أستراليا، ملة الإرهاب واحدة. أيا كانت أسماء الجناة، فقد ظلموا ضحاياهم وحتى أسرهم، ظلموا أيضا وتجنوا على ما زعموا أنهم يقترفون فظائعهم باسمه، ديانة كانت أم قضية أم هوية.
بصرف النظر عن مآربهم -وكثير منها شخصية وإن بدت في «صحافة الإثارة أو الأجندة» غير ذلك- فإن أرباب الإرهاب ما هم سوى أبناء الظلم والظلمات، معتدون غير معذورين مهما دلّسوا وضلّلوا.
وحده واهب الحياة سبحانه، يملك حق استرداد الأمانة تلك النفس البشرية التي كرمها الله ودماء بني آدم التي عصمها الخالق، وما من شريك له جلّت قدرته في تعريف الحقوق وتحديدها وكذلك الواجبات والبركات، أو تقسيمها بين الناس. عصمة دم الإنسان وكرامته وحقوقه واحدة غير قابلة للقسمة، كالقائلين بأن هذا مناّ وهذا معنا، أو ذاك الآخر ليس منّا وبالتالي لا يعنينا، أو ذاك الآخر عدونا. ما أراد سبحانه لهذه المعمورة إلا أن تكون واحدة في نموسها الضابط لكل شيء عبر الزمان والمكان، أرادها بمحبته وحكمته معمورة لا مجرد مسكونة، حتى يعمر الأرض ويسخّر خيراتها أهل الفلاح والصلاح، حبا وبذلا وعطاءا لا منّة فيه، فمن أخذ ممن أعطى -سبحانه- لا يحق له المنّ على شريكه في العرق أو الدين، الدم أو التراب.
بناء على ما تقدّم روحيا وأخلاقيا، لا قيمة في ميزان العقل والوجدان، لمن يصنف أفعال الإرهابيين المدانة -قولا واحدا وبلا أدنى تحفّظ- لمن صنّف المعتدين أيا كانوا، هذا حلال أو مباح وذاك مكروه أو حرام، أو هذا صديق أو حليف وذاك غريب أو عدو. القتل جريمة. والكراهية كذلك. الأولى خطيئة من الكبائر، والثانية ستفضي إليها لا محالة، بما يضع ممارسي فعلة الكراهية المشينة المقيتة، في منزلة الشريك في الإجرام والإرهاب.
لدينا في الأردن المفدى قانون متطور في مكافحة الإرهاب وخطاب الكراهية. ونحمده تعالى على أن منّ علينا خيرة الخيرة عالميا في الأجهزة الأمنية بجناحيها العسكري والمدني. لكن الأمل معقود بأن يعمل الناس، الناس كافة وليس فقط من يسمون قادة الرأي، على تقديم واجب الإسناد، خاصة فيما يخص مكافحة خطاب الكراهية أو الكيل بمعايير مختلة أو متعددة في إدانة جريمتي الكراهية والإرهاب. لا يستسيغ الرأي العام خاصة في تلك الدول المنكوبة بما شهدته الأيام القليلة الماضية، استخدام القياس أو التبرير أو الاعتذارية عند إدانة مقترفي تلك الأعمال الإرهابية. بعض تلك التعليقات أو الانطباعات الفيسبوكية كتلك الضحكة البلهاء الصفراء، صارت مجلبة للاشتباه ومدعاة إلى التحقيق في عدة دول من بينها أمريكا، تحقيق جنائي قد يفضي إلى ما هو أكثر من رفض تأشيرة زيارة، وأشد من شطب إقامة، لا بل وتجريد المحرضين والمشاركين في خطابات الكراهية من الجنسية سيما إن تم اكتسابها عبر مظلومية الهرب إلى أمريكا والغرب طلبا للنجاة والأمن والأمان وسعيا للرزق.
من كان ليتخيل أن لوثة الإرهاب تطال أبا تآمر مع فلذة كبده على بلاد فتحت ذراعيها لأسرته لاجئا من باكستان ومنحتها الجنسية الأسترالية؟ من كان يتخيل أن من بين من تصدى للإرهابيين -الذئبين المنفردين الأب والإبن- مواطن لاجئ أيضا اسمه أحمد الأحمد، أب لطفلين خاطر بحياته فانتزع بندقية الصيد من أحد القتلة قبل أن يسقط برصاص الغدر المزيد من الضحايا الأبرياء وجميعهم كانوا في مكان مفتوح يحتفلون في أول أيام عيد الأنوار اليهودي.
مجزرة مماثلة كادت أن تقع في ألمانيا، لولا يقظة الأمن وتمكنه من إحباط مؤامرة استهدفت متسوقي عيد الميلاد المجيد المسيحيين وغير المسيحيين، فالمناسبة عالمية مرتبطة برأس السنة الميلادية التقويم المعمول به عالميا. جميع من تم إلقاء القبض عليهم قيد التحقيق هم لاجئون أو أبناء لاجئين من جنسيات مرتبطة بملف اللجوء من ساحات الفوضى «الخلّاقة» مما قيل أنها بلاد تعاني قمع أنظمة أو توحش تنظيمات، وفسادهم وظلمهم واحد. ليس بعيدا المجرم الذي نفذ الاعتداء الإرهابي في جامعة بولاية رود آيلاند هو الآخر من الإرهابيين لكنه ليس من المنظومة الدينية أو العرقية هو من مرتدي الملابس السوداء في إشارة إلى من يسمون أنفسهم مقاومي الفاشية واتضح أنه ومنذ سنوات من تلك الفئة التي تزعم أنها متأرجحة أو متحولة جنسيا! حتى ساعة كتابة هذه السطور ثمة من يشير إلى أن مطلق النار على صف في جامعة براون بولاية رود آيلاند إنما استهدف صف أستاذة يهودية مختصة في ملف الهجرة الاقتصادية وصاح في عبارة معينة -قيل إنها غير مفهومة أو تقرر التعتيم عليها- قبل فتح النار على الطلبة.
الله نسأل أن يقهر بنوره السَّنِيّ البهيّ ذاك الظلم ويبدد ذاك الظلام. فملة الإرهاب واحدة ظالمة ظلامية شيطانية. عام آخر أوشك على الختام، ونحن أقرب إلى ذلك اليوم الموعود الذي نلقى وجهه الكريم، فيسألنا الديّان سبحانه، عمن «أحيا الناس جميعا» أو العكس، لا سمح الله.

مواضيع قد تهمك