الأخبار

د. سند ابو راس : تعريف التعاسة دون دراما

د. سند ابو راس : تعريف التعاسة دون دراما
أخبارنا :  

يحاول الجميع الوصول إلى أعلى مستويات السعادة بمختلف الطرق، ويظن أغلب الناس أن المال هو ما يجلب السعادة، ولكن كثيرًا ما نرى أغنياء تعساء. ويظن آخرون أن السعادة تكمن في الحب والارتباط بالحبيب، ومع ذلك نرى كثيرًا من الناس تعساء رغم ارتباطهم بمن يحبون. وهناك من يؤمن بأن السعادة في العائلة أو الأصدقاء، ومع هذا نرى كثيرين ممن لديهم عائلة وأصدقاء يعيشون التعاسة.
فما العامل المشترك الذي إذا وُجد عند الإنسان كان تعيسًا في الغالب؟
الإنسان ضعيف جسديًا ونفسيًا، والعجز صفة ملازمة له طوال حياته؛ فالإنسان يقدر على أشياء معينة ويعجز عن أشياء كثيرة، وهذا أمر طبيعي. ولكن ما إن يبدأ الإنسان بعدم تقبّل عجزه حتى تبدأ تعاسته. فالتعاسة ما هي إلا عدم تقبّل العجز، مهما كان هذا العجز كبيرًا أو صغيرًا، مهمًا أو تافهًا.
قد يتمثل العجز في أشكال عديدة؛ منها العجز الجسدي كالأمراض، أو العجز النفسي كالعجز عن الإفراط في التفكير والتحليل، أو العجز عن امتلاك شخصية قوية. وقد يكون عجزًا ماليًا، أو عجزًا عن بناء علاقة طيبة مع شريك الحياة أو العائلة أو الأصدقاء. وقد يتمثل العجز في عدم القدرة على الخروج من وضع معين، كمهنة أو علاقة، أو حتى بلد، لمن يطمح إلى الهجرة. وربما يكون العجز هو عدم القدرة على التأثير؛ ففي زمن مواقع التواصل الاجتماعي، يسعى كثيرون إلى أن يصبحوا مشهورين ومؤثرين، لصفات أو حكم يظنون أنهم يحملونها ويريدون نشرها.
وغير ذلك كثير من أنواع العجز التي إذا لم يتقبّلها الإنسان، أصبح تعيسًا في حياته.
وعليه، فإن السعادة ـ كما طُرحت في كتاب «مريخيون متحدون: سفر إلى المستقبل» ـ تبدأ بالرضا والقناعة، ليس فقط بما يمتلكه الإنسان في حياته، بل أيضًا بما يعجز عنه. ففي تقبّل العجز راحة نفسية، وتذكير بأنك إنسان عاجز بطبيعتك، وبحاجة إلى المجتمع والناس والعائلة لتعويض هذا العجز. ولو تأملنا تعاملات الناس في حياتهم اليومية، لوجدنا أننا في بعض الأحيان نشعر بسعادة أكبر عندما يساعدنا أحدهم في حل مشكلة ما، أكثر من سعادتنا لو حللناها بأنفسنا؛ ففي مساعدة الآخرين شعور بأنك لست وحدك في هذه الدنيا، وأن هناك من يسندك ويقف إلى جانبك عند عجزك.
وبين العجز وتقبّله، يظهر مبدأ «الحمد لله» مرة أخرى ليبدد التعاسة ويستبدلها بالراحة النفسية والسعادة. فـ«الحمد لله» لا تُقال عند الفرح فقط، بل تُقال عند العجز أيضًا، ليعترف القلب والعقل بضعفهما، راجيين من الله أن يعوّض هذا العجز بالخير.
العجز أمر ليس سيئًا، بل هو حالة طبيعية في الحياة، وقد يؤدي العجز إلى كثير من الاختراعات والتطوير؛ فالتقدم الصناعي والتكنولوجي ما هو إلا محاولة لتعويض عجز الإنسان. أمّا من الناحية السيكولوجية، فإن السعادة مرتبطة بالعجز؛ فما إن يتقبّل الإنسان عجزه حتى تبدأ السعادة. كما يمنح العجز نوعًا من التباين في حياة الفرد، يجعله أكثر قدرة على تقدير النِّعم التي بين يديه، وبالتالي الحرص عليها بشكل أكبر.

مواضيع قد تهمك