الأخبار

د. ميسون تليلان السليم : قراءة تحليلية في تمكين المرأة الأردنية وفق أحدث إصدار عالمي (2025)

د. ميسون تليلان السليم  : قراءة تحليلية في تمكين المرأة الأردنية وفق أحدث إصدار عالمي (2025)
أخبارنا :  

شهد الأردن في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين تراكمًا في تشريعاتٍ داعمةٍ للمرأة، في التعليم والعمل والسياسة، لكنّ الأرقام ما زالت تُظهِر فجوةً أوسع ممّا يتمنّاه صانع القرار والمجتمع معًا. أحدث إصدارٍ للتقرير العالمي للفجوة الجندرية يضع المملكة وقد أغلقت 65.5 % من الفجوة الكلية، مقارنة بمتوسّط عالمي يبلغ 68.5 %. هذه الفجوة البسيطة نسبيًا تُترجم إلى أثر كبير في التصنيف، إذ تحتل الأردن المرتبة 122 من أصل 148 دولة، بعدما كانت في المرتبة 125 عالميًا عام 2024، ما يشير إلى تحسن طفيف بثلاث مراتب. هذا ال?قدّم النسبي لا يعكس بالضرورة قفزة في الأداء، بل يُعزى جزئيًا إلى ثبات الأردن في درجته الكلية مقابل تراجع بعض الدول الأخرى، وهو ما يسلّط الضوء على أهمية تسريع وتيرة الإصلاح للانتقال من التحسّن النسبي إلى التقدّم النوعي. الفارق لا يكمن فقط في الدرجة، بل في وتيرة التحسّن؛ فبينما تحافظ الأردن على مستواها السابق دون تراجع، استطاعت دول أخرى أن تتقدم بخطى أسرع، ما جعل المملكة في موقع رمادي: لا هي في ذيل القائمة، ولا بين الدول المتقدمة التي أدارت الإصلاح بخطة شاملة متكاملة.

هذا الموضع الانتقالي يُحمد فيه للأردن أنّه لم يتراجع رقميًّا؛ إذ حافظ على درجته الكلية، بل تقدّم مرتبةً واحدة نتيجة ثباته أمام حركة الآخرين. ومع ذلك، فإنّ الثبات في نظامٍ تنافسيّ يعني فقدان جزءٍ من المكانة النسبيّة، ولذلك يصبح السؤال: أين تكمن نقاط الشدّ الحقيقيّة؟

في محور المشاركة الاقتصادية تسطع المفارقة. التشريعات ضمنت أجرًا متساويًا للعمل المتساوي، وأعيد ضبط الحد الأدنى للأجور، وأُطلقت برامج تمكينٍ حكوميّة وصلت إلى آلاف النساء، ومع ذلك بقيت مشاركة الإناث في سوق العمل عند 25.5 %. ينعكس ذلك مباشرةً في مؤشر «الدخل التقديري»، وهو تقديرٌ إحصائي يُحتسب بضرب معدل المشاركة بالأجر المتوسط وساعات العمل المتوقَّعة، ثم مقارنته بين الجنسين. حصول الأردنيات على 0.22 فقط من دخل الرجل لا يعني أنّ كل امرأة تكسب خُمس ما يكسبه الرجل حرفيًّا، بل يكشف مزيجًا من ضعف النفاذ إلى الوظائف ?ات العائد المرتفع، وتركّزهن في قطاعات تقليدية، وارتفاع البطالة النسائية. من هنا يبدو أن المشكلة ليست في مبدأ الأجر، بل في عدد ونوع الوظائف المتاحة لهنّ.

في محور التعليم، حافظ الأردن على درجة شبه مكتملة بلغت 0.990، ما يعكس استمرار تكافؤ الفرص التعليمية بين الجنسين في المراحل المختلفة. إلا أن الترتيب العالمي تراجع من المرتبة 45 في تقرير 2024 إلى المرتبة 80 في 2025، ليس بسبب تراجع داخلي في المؤشرات، بل نتيجة تقدم دول أخرى بوتيرة أسرع. العديد من هذه الدول، خصوصًا في آسيا وأفريقيا، عملت على مواءمة التعليم مع احتياجات الاقتصاد الرقمي عبر برامج STEM والتقنيات الحديثة، مما أدى إلى تحسن تصنيفها. ويظل التعليم في الأردن نقطة قوة استراتيجية، لكن العائد السياسي والاقتص?دي من الاستثمار فيه ما زال دون المستوى المأمول، مما يتطلب ربطًا أوثق بين مخرجات التعليم وسوق العمل، لا سيما للفتيات والشابات.

أما محور الصحة فيُظهر تقدّمًا في المؤشرات الحرجة؛ 99.7 % من الولادات تُجرى على أيدٍ مهنية، ومعدل وفيات الأمهات يستقر عند 31 لكل مئة ألف. ومع ذلك يتراجع ترتيب الأردن إلى ما بعد المئة والثلاثين لأن العمر الصحي النسبي للمرأة أدنى من المعيار العالمي، ما يوحي بأن جودة الرعاية الوقائية، خاصة بعد سن الأربعين، ما زالت بحاجةٍ إلى توسيع نطاق الفحص المبكر للأمراض المزمنة والسرطانات النسائية.

وفي السياسة، بدأت رحلة التمكين الفعلي للمرأة في العام 2003 مع إقرار الكوتا النسائية بستة مقاعد في مجلس النواب، ثم تطورت تدريجيًا إلى 12 مقعدًا، ثم 15، وصولًا إلى 18 مقعدًا في انتخابات 2024، لتصبح هناك نائبة واحدة عن كل دائرة، وهو ما عُزّز بالتشريعات الحديثة في قانوني الانتخاب والأحزاب لعام 2022، التي ضمنت تمثيلًا حزبيًا للنساء أيضًا. وقد نتج عن ذلك دخول 9 سيدات ضمن القوائم الحزبية، ليصل عدد النائبات إلى 27، وهو رقم غير مسبوق في الحياة البرلمانية الأردنية. هذه القفزة تُحسب للمشرّع الأردني الذي ضمن للمرأة فر? الوصول، وأقر العديد من التشريعات الصديقة للمرأة التي لم تضمن حضورها فقط، بل حمايتها أيضًا في المجال العام. ومع ذلك، فإن الوصول إلى المناصب السيادية والقيادية العليا ما زال محدودًا، والرأي العام—بحسب البارومتر العربي—لا يزال مترددًا في قبول المرأة في مواقع القرار الأعلى، ما يُشير إلى فجوة ثقافية تُعيق التحول الكامل نحو المساواة السياسية. وتُسهم هذه المحدودية في تقليص معدل المشاركة السياسية الكلية، ما ينعكس سلبًا على ترتيب الأردن في هذا المحور، ويُظهر أن التقدّم في التشريع وحده لا يكفي إذا لم يترافق بتمثيل ?لموس في مواقع التأثير العليا. التشريع إذًا يمهد الطريق لكنه لا يعبّده وحده.

رغم التقدم في المؤشرات الأربعة، إلا أن التقرير حذف هذا العام محور الفجوة الرقمية الجندرية، الذي ظهر تجريبيًا في إصدار 2024، فغاب عن الرصد مظهر مهم من مظاهر عدم المساواة. وتُظهر تقارير GSMA أنّ النساء في الأردن أقلُّ استخدامًا للإنترنت المتنقل بنسبة 15 % مقارنة بالرجال، وهو ما يعكس فجوة في التمكين الرقمي قد تؤثر مستقبلاً على فرصهنّ في التعليم والعمل والمشاركة المدنية. ورغم أن هذا البُعد لا يدخل حساب المؤشر حاليًا، إلا أنه مرشح للعودة بقوة، وقد يكون فرصة استراتيجية للأردن إنْ أُحسن استثماره في برامج التحول ا?رقمي التي تراعي احتياجات النساء والفتيات. ومن الأمثلة الدالة على هذا التوجه «المبادرة الوطنية للتمكين الرقمي للمرأة» التي أطلقتها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة بالتعاون مع منظمات دولية، والتي تستهدف تعزيز المهارات التقنية لدى الشابات وتوسيع النفاذ إلى فرص العمل الحر عبر المنصات الرقمية، مما يشكل رافعة حقيقية لإغلاق الفجوة الرقمية مستقبلًا.

ختامًا، لا يُنكر منصفٌ أنّ الأردن قطع شوطًا مهمًّا في البناء التشريعي، لكنّ المؤشر يذكّرنا بأنّ المسافة بين النص والتطبيق ما تزال واسعة. ورغم وجود برامج حكومية ومبادرات متفرقة—مثل الخطة التنفيذية لتمكين المرأة 2023–2025—إلا أن التحدي يكمن في اتساق هذه المبادرات مع مؤشرات المتابعة والتقييم، وتفعيلها في البيئات المحلية خارج نطاق العاصمة، بما يضمن ترجمة النصوص إلى تحوّل ملموس في الواقع اليومي للنساء. ردمها يتطلّب تحفيز القطاع الخاص لتوسيع فرص العمل عالية القيمة، وإزاحة الحواجز الثقافية أمام القيادة النسائية، ?رعاية صحية تستبق المرض لا تلاحقه، وبرنامجًا وطنيًّا يقيس ويغلق الفجوة الرقمية قبل أن تتعمّق. عندئذٍ فقط ستصبح النسبة 65.5 % مجرّد محطةٍ عابرة على طريق التكافؤ، لا سقفًا يصعب تجاوزه. ــ الراي

مواضيع قد تهمك