رمزي الغزوي :الإنسانية المؤجلة

هذا الشهر لم يكن شهرا عاديا في سياق العلاقة بين الغرب وإسرائيل. شيء ما اهتز، لا كزوبعة عابرة، بل كعلامة فارقة. التصريحات الأوروبية خرجت عن مألوفها، بيانات الإدانة لم تعد تتحدث عن قلق عميق، بل عن جرائم موثقة، وتجويع متعمد، وتهجير قسري. بدا وكأن الغطاء الأخلاقي الذي ظل يحجب وحشية الحرب على غزة لعقود، بدأ يتمزق.
لكن لماذا الآن؟ ليس ثمة وحي هبط على العواصم الأوروبية، ولا صحوة ضمير مفاجئة. ما حدث هو لحظة انكشاف قسري. الدم الفلسطيني انفجر في شاشات العالم، بلا وسيط، بلا رتوش. لم تعد المجازر أخبارا هامشية، بل مشاهد متكررة لا يمكن تجاهلها دون أن يفقد الغرب ما تبقى من مصداقيته.
التحول الذي نراه اليوم ليس قرارا سياسيا شجاعا، بل نتيجة ضغط شعبي وإعلامي ونقابي عابر للحدود. عشرات الآلاف في الشوارع، بيانات منظمات حقوقية، جامعات تقاطع، فنانون يوقعون عرائض، ومجالس برلمانية تطرح أسئلة كان يمنع طرحها بالأمس. كل هذه الأصوات صنعت مناخا مختلفا، خافتا، لكنه غير مسبوق.
ومع ذلك، فالمشكلة ليست في الخطاب وحده، بل في غياب الفعل الجدي. هل يكفي تعليق اتفاقية أو تجميد مفاوضات لوقف آلة عسكرية ماضية في التدمير بلا هوادة؟ ما معنى إدانات لا تعقبها عقوبات؟ ما فائدة كلمات قوية تقال بوجه من لا يخجل؟
نتنياهو يهاجم أوروبا ويصف مواقفها بالنفاق الأخلاقي، وربما يكون محقا. فكيف لمن يواصل التجارة، ويشتري الأسلحة المجربة على أجساد الأطفال، أن يدّعي الإنسانية؟ إسرائيل تفهم الرسائل، وتعلم أن ضجيج الكلام لا يوازي وجع الأفعال. ولهذا فهي تمضي مطمئنة.
ما يجري ليس تحولا جذريا، بل اختبار لمدى صدق الغرب مع ذاته. هل نحن أمام لحظة مراجعة حقيقية، أم مجرد غسل يدين قبل النكبة المقبلة؟ الأسئلة ثقيلة، والإجابات غامضة.
لكن ما لا شك فيه أن الزمن تغيّر. الجدار لم يسقط بعد، لكنه تصدع. وكل تصدع، إن لم يرمم بعدل، يتحول مع الوقت إلى انهيار. فهل يجرؤ العالم على المواجهة؟ أم أنه يكتفي، كعادته، بالبكاء على الركام بعد فوات الأوان؟