النائب الدكتور فايز بصبوص : يوم الاستقلال 79

ليس بالإمكان أن تحل ذكرى الاستقلال دون أن نسترجع مسيرة هذا الوطن الشامخ، أو أن يمر هذا اليوم دون أن نحتفي بالبطولات والإنجازات التي بدأت مع الهاشميين وتستمر بهم ومعهم. منذ لحظة تأسيس إمارة شرق الأردن في العام 1921، واستقلاله في العام 1946، إلى عهد المغفور له الحسين الذي كان استثنائياً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ وشهد انتقال الأردن من البداوة إلى النموّ والتطوّر والحداثة، ووصولاً إلى يومنا الحالي، عهد التعزيز هذا التعزيز والذي انطلق مع تولي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية متحدياً من خلال رؤيته الاستشرافية كل العقبات التي واجهت هذا الوطن الحبيب ابتدأ من دعوته المبكرة الى تجسيد مفهوم الوسطية والاعتدال من خلال رسالة عمان التي ارست مبادئ التوافق للكل الاسلامي نحو نهج متوازن ووسطي مستشرفا جلالته بتلك المخاطر التي تلت رسالة عمان من تطور لايدلوجية التطرف والانعزال والعصبية الدينية المفرطة البعيدة كل البعد عن مرتكزات ومقومات وأسس ديننا الإسلامي الحنيف فلو تم ترجمة مضامين رسالة عمان بالممارسة والتطبيق لاستهداف الوعي الجمعي الاسلامي لما دخلنا في مرحلة الظلامية التي تجسدت من خلال بروز الحركات الاسلامية المتطرفة وصولاً الى ممارسة الارهاب على قاعدة النحنوية واحتكار الرأي والتناقض كليا مع سمة الوجود والخلق القائمة على وحدانية الخالق وتعدد الخلائق.
أما البعد الاستشرافي الاخر والذي عالجته مرحلة التعزيز هو تهيئة واعداد الوعي الجمعي الاردني لمشروع الاصلاح الوطني الشامل وصولاً الى الإصلاح السياسي والذي تجلى في التعديلات الدستورية الأخيرة والذي أسس له ببعده النظري جلالة الملك من خلال أوراقه النقاشية السبع مستشرفا ما قد يحدث من تطورات وشغف للمواطن العربي عامة والأردني خاصة نحو الحرية واحترام الراي والراي الاخر والمشاركة في صناعة القرارات الاستراتيجية للدول العربية وهو ما أحدث ما سمي بثوارت الربيع العربي والتي ادت الى تحول جذري في قراءة متأخرة للنظام السياسي العربي اتجاه الشغف العربي للحرية والكرامة والمشاركة.
أما في الجانب السياسي فان التمسك والصلابة في دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وعدم التزحزح قيد انملة عن مبادئ وثوابت الهاشميين تجاه السيادة العربية لتراب فلسطين والمقدسات الاسلامية والمسيحية في مدينة القدس من خلال الوصاية الهاشمية عليها والتحذيرات المتراكمة عليها من خلال تغييب القضية الفلسطينية عن الاجندات الدولية والاقليمية سيكون له تبعات كارثية على الاستقرار والسلم في منطقتنا وهو ما نلمسه بشكل مباشر في فترات متقاربة للتصعيد الصهيوني ضد الفلسطينيين في الكل الفلسطيني وتحديداً في غزة والمجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ ولا يزال العدوان على غزة وقطع وحصار للمساعدات الإنسانية والمعاشية والصحية وبالرغم من كل هذا الحصار الا ان الأردن بقيادته الهاشمية الفذه استطاع كسر الحصار عن طريق سلاح الجو الملكي وعمليات الإنزال التي حصلت والتي قادها جلالة الملك بنفسه اضف الى ذلك المستشفى الميداني الأردني الذي خفف من معاناة الشعب في غزة .
كما وان الأردن كان وما زال وسيبقى يقود معركة دبلوماسية ضد الكيان الصهيوني لرفع الحصار عن غزة وكذلك وقف العدوان وهذه المواقف التي قام بها الأردن نابع من ثوابته العربية والقومية تجاه الشعوب العربية. اذن هذا الوطن صنع مسيرة استثنائية وخاض كل التحديات وما زال وخاصة في الدعم اللامحدود للقضية الفلسطينية وما زال الأردن يتصدى بكل صلابة الى كل ما يحاك ضد القضية الفلسطينية ومحاولة تصفيتها وانتزاع بعدها الروحي والسياسي والتي لا يمكن ولا بأي شكل من الاشكال مجرد التفكير في الحوار حولها لان هذا الوطن انطلق عروبيا وسار عروبيا وسيبقى الحاضنة الحقيقة للقومية العربية رغم كل التحديات .
كل تلك الأحداث والتطورات والتي تلقى تجليها في هذا اليوم من خلال ما يجري على مستوى الإقليم والمجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني وعدم الاستقرار السياسي والعسكري في منطقتنا كل ذلك قد حذر منه جلالة الملك خلال مسيرة التعزيز التي قادها باقتدار جلالته بالاعتماد على المسؤولية المجتمعية والحس الوطني والقومي للشعب الاردني والتناغم غير المسبوق ما بين القيادة والشعب للصمود امام التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي واجهها الاردن على مسار التاريخ والتي تجلت بأخطر تجلياتها بالعقد السابق لهذا القرن.
هذه هي ملامح تعزيز الاستقلال في ظل صاحب الجلالة المفدى عبدالله الثاني ابن الحسين وكل عام ووطننا الحبيب بألف ألف خير. ــ الدستور