صالح الراشد يكتب : هؤلاء هم فخر العرب

صالح الراشد
كثر الحديث عن فخر العرب فالبعض اختاروا سياسيين والكثيرون اختاروا رياضيين ظناً منهم أن البطولة تصنعها الأقدام، وعدد أقل اعتقدوا أن عدد من الاقتصاديين هم فخر العرب وذهب آخرون أنهم المطربين والممثلين ، وطال الحديث عن هذا الموضوع وتحول لمجال للمناكفات بين المشجعين العرب الذين أدركوا الحقيقة في النهاية، بأن فخر العرب يجب أن يكونوا قدوة وقادرين على صناعة المستحيل وتحدي المُحال، ففخر العرب ليس لقب يُمنح لكل عابر سبيل في ذاكرة الأمة بل يجب أن يكون راسخاً فيها كالجبال وينظر إليه الجميع بإكبار وتقدير واحترام.
وفي هذه الزمن حيث تقاس البطولة بالصوت والقدم ظهر جيل جديد نقش في عقل البشرية البطولة الحقة بتحدي الموت، فواجهوا الصعوبات بعزيمة الرجال فاسقطوا الأوهام ورسخوا في ذاكرة الأمة، إنهم العاملون في المجال الطبي في غزة العزة والكرامة، فقد تحدوا الموت بكافة أشكاله ورهبته لصيانة وصناعة الحياة وضحوا بأرواحهم وحملوها على أكفهم لينقذوا الآلاف من الموت أو قطع الأطراف والتشوهات، فهؤلاء الأبطال عملوا على مدار الساعة ولم يرهبهم التهديد والوعيد والقصف والدمار.
لقد كان فخر العرب والأمة الإسلامية أهدافاً هامة في استرتيجية الموت والدمار لقوات الاحتلال، ليتم استهدافهم بكل حقد بطلقات الرصاص وقذائف المدافع وصواريخ الطائرات والمسيرات، ليرتقي العديد منهم شهداء يتسابقون صوب أبواب السماء التي تفتحت فوق غزة، ورغم ذلك لم يرتعب البقية منهم فكان المسعفون يسابقون الرصاص والموت لنقل المصابين للمستشفيات حيث ينتظر أطباء أقسموا على العمل حتى الرمق الأخير للمصابين ولهم، فيما العدو يحاصر المستشفيات ويقصفها لقتل كل من يدافع عن الحياة وقتل كل شهيد مرات ومرات.
فالعدو الكاره للحياة والحب يريد التيقن بأن الموت انتصر على الحياة، وأن الشعب الفلسطيني سيختفي من الوجود ليصطدم العدو برجال من عز نبتت أجسادهم في تراب الأرض ومن مطر السماء، ليكونوا راسخين متحذرين في وطنهم كأشجار الزيتون لا يتراجعون عن واجبهم في حماية الأجيال لحماية الوطن ونشر نور الحق والمحبة، ليفشل العدو في تحقيق أهدافه في ظل صمود أسطوري لم يشهد التاريخ مثيلاً، ليحطم الأطباء والمسعفون والممرضون جميع الأرقام القياسية في العمل المتواصل، متحدين الموت والصعوبات ليزرعوا الحياة في الأرواح الصامدة والأجساد المرهقة رافضين الاستسلام للقتل والموت.
آخر الكلام:
لقد صدق شاعر العرب الدكتور محمد نجيب المراد حين قال:
وإنَّ الطِّبَّ مهنةُ كُلِّ حُرٍّ
رأى أنْ يَبذلَ الجهدَ اجتهادا
وأوشكَ أن يُقَدَّسَ كلُّ طِبٍّ
كمحرابِ الصلاةِ نقىً وكادا
وكلُّ محارِبٍ في الطِبِّ يبقى
على الأيامِ أكرمَنا جهادا