نسيم عنيزات : متى نغادر مربع الريعية!

تقليص عدد موظفي القطاع العام وتخفيض فاتورة الرواتب والانتقال من الريعية إلى الإنتاجية، شعارٌ تتبعه الحكومات المتعاقبة، الذي أصبح نهجًا منذ سنوات.
وقبل الخوض في الدوافع والمبررات لكل منهما، علينا ملاحظة مدى وحجم التقلبات والتغييرات التي واجهتها عملية الموارد البشرية، بما فيها من أنظمة وتعليمات طرأ عليها سلسلة من التعديلات وعدد من الدراسات عبر الحكومات الأربع أو الخمس الأخيرة على أقل تقدير.
مما يعني بأن الرؤية ما زالت غير واضحة، وأن الهدف يدور حول نفسه ويركز على العنصر البشري فقط، أي الموظف.
وهذا الأمر يغمز من الزاوية التي أشرنا إليها في بداية المقال، والمتعلقة بتقليص عدد موظفي القطاع العام، سواء العاملين أو ممن سيتم استقطابهم في المستقبل، بعد أن تم إلغاء ديوان الخدمة المدنية وفتح باب التعيين المباشر عبر الوزارات والمؤسسات الحكومية لاستقطاب الكفاءات، حسب التصريحات الحكومية. ومع أن الحديث في هذا المجال يطول، حيث غاب موضوع الاهتمام بالعنصر البشري من حيث التدريب والتأهيل وتطوير مهاراته بمفهومها الشامل، على الرغم من أن الأنظمة والتعليمات تؤكد عليه، إلا أن الواقع يشي بعكس ذلك.
أما موضوع الريعية والإنتاجية، وتخلِّي الدولة وانسحابها من مشهد الوظيفة العامة، واستبدالها بما يُسمى بمظلة الحماية الاجتماعية الموجودة أصلًا منذ نشأة الدولة، والموجهة أصلًا إلى فئة اجتماعية معينة، ضمن تعليمات وشروط تحكمها قوانين وتشريعات تُقيدها. فموضوع الريعية والتوسع في التوظيف، سياسةٌ انتهجتها الدولة منذ نشأتها، كنوع من الحماية الاجتماعية واستيعاب مواطنيها عبر مؤسساتها المختلفة، بسبب ضعف الاستثمار وقدرة سوق العمل والقطاع الخاص على توفير فرص عمل تناسب حجم الطلب.
لنسأل أنفسنا: ما الذي تغيّر الآن؟ لتنسحب الحكومات وتتخلى عن دورها في حماية المجتمع وتوفير حياة كريمة لمواطنيها وفرص عمل لطالبيها.
هل درست سوق العمل واطلعت على أوضاعه وما يعاني من صعوبات وتحديات ومدى قدرته على توفير فرص عمل؟
هل حجم الاستثمارات لدينا وقيمة السيولة النقدية قادرةٌ على أن توفر أرضية بديلة عن الحكومة في استيعاب الباحثين عن عمل؟
قد يكون القطاع العام متخمًا وزائدًا عن مدى حاجته، إلا أنني أستطيع أن أؤكد بأن ذلك كان قبل عام 2019، وبعد التوسع في عملية التقاعد المبكر قد أعاد تموضعه، لا بل إن بعض المؤسسات تعاني من نقص وحاجة لبعض الموظفين. نحن لسنا ضد التحديث الإداري، الذي يعني التطوير والتدريب والتأهيل والأرشفة وأتمتة الخدمات، على ألّا يكون على حساب الموظف العام أو زيادة البطالة التي تزيد عن نسبة 20% بين شبابنا، بحجة التطوير والتحديث.
لذلك، علينا دراسة الموضوع بكافة تفاصيله، بما فيها من أسباب ومبررات ودوافع وأهداف، وعند تهيئة الظروف المناسبة والبيئة الملائمة التي تسهم في توفير فرص العمل وتُحقق مبدأ الإنتاجية، عندها نغادر مربع الريعية. ــ الدستور