رمزي الغزوي : القتل لذات القتل

أول أمس صحونا على مجزة مروعة مكتملة الأركان في بلدة ساكب، جارة الغيم ومهوى المطر. عشرات من الأشجار المعمرة وجدت مبثوثة مقتولة ومقطوعة ومحروقة على قارعة الوجع الممدود. وهذا المرة كان القتل بهدف القتل لا للتجارة. أي أن الجريمة مقصودة لذاتها وكأنها لذة للقاتلين، القتل بهدف القتل. ولا أعرف بأية خانة سندرج أؤلئك الأوباش إن قدر ووقعوا في قبضة العدالة؟.
هذا جزء من المشهد المؤلم. ولهذا سنسال، هل سيأتي حين من الدهر ينبغي فيه لزائر جرش وعجلون، أن يحمل مظلة تظلّه من الشمس بعد أن تغيب أشجارنا؟ قبل سنوات، كنتُ أقول إن ذلك الحين لربما سيتأخر، ولكن المشاهد الحالية والمعاينات تؤكّد أن الأمر أقرب مما نتصور، وأنه لن يبقى من غاباتنا سوى بقايا جذوع ترتفع بقدر شبر فوق يابس الأرض تقول: هنا كان شجر وارف الظلال أخضر.
فاليوم سيكون عليك أن تحمل قلباً من حجر؛ لتتمكن من عبور غاباتنا دون أن تتفجّر حزنا وقهرا، على ما ستراه من جرائم تطهير عرقي منظمة ضد أشجار السنديان والملول والبطم والقيقب. وسيكون عليك أن تتساءل بحرقة: كيف ولماذا وصلنا إلى هذا الحد؟ لماذا لم نوقف هذه المجازر؟ ولماذا تركنا المجرمين يسيدون ويميدون؟.
هذه جرائم مستمرة تزداد شراسة وتوسعاً يوماً إثر يوم، وقد بدأت تأخذ طابع العمل التنظيمي العصاباتي المافياوي، الذي وجد سبيلا للربح السهل الفاحش بالاعتداء على الغابات في ظل رخاوة القوانين، وغياب الإرادة الحقيقية لوقفهم والضرب على أياديهم. ومع جريمة ساكب الأخيرة يبدو أن الموضوع هو عداء مع الحياة: القتل لذات القتل.
مع بالغ الأسف، فالبعض منا يقعُ في مغالطة كبيرة حين يعتقد أن من يجزّون الأشجار فقراء معوزون من أجل التدفئة، ولكنك حين تتحرّى في الأمر؛ ستعرف أن من يرتكب هذه الأفعال هم عصابات لديهم من يساندهم.
لدينا أقل من الواحد بالمئة من مساحة بلادنا غابات. ونحن لا نزرع بالشكل المطلوب مع الأسف. فالشجرة التي عمرها ألف سنة تُقطع بدقائق بمناشيرهم المجنزرة، لتستقر بسعر غال كحطب مواقد في قصور الأثرياء منا. وهنا أيضاً يجب أن نقف ونتأمل، أن في الطلب على أحطاب السنديان والملول وفرنا بيئة خصبة ومناسبة لتجارة أولئك المجرمين.
مع تقديري لجهود وزارة الزراعة ونواياها الطيبة، إلا أنني أجدّد اليوم إطلاق صرختي بوجوب أن تناط مهمة حماية الغابات، على الأقل في هذا الوقت العصيب، بقواتنا المسلحة، فهي القادرة على إيقاف هذه الجرائم. وأطالب باستخدام الطائرات المسيرة لمراقبة الغابات، وأجدد طلبي بوقفة وطنية شعبية حقيقية وصارمة، مع ضرورة مراجعة القوانين الناظمة لحماية ما تبقى من غاباتنا. ــ الدستور