الأخبار

سامح المحاريق : تزاحم السرديات وغياب الخطاب.. من المسؤول ومن المعني؟

سامح المحاريق : تزاحم السرديات وغياب الخطاب.. من المسؤول ومن المعني؟
أخبارنا :  

يشيع مصطلح أو مفهوم بين وقت وآخر، وكأنه كلمة السر التي كان الجميع ينتظرها، وبعد أن يجري على الألسنة، ويستحوذ على الأقلام ولوحات المفاتيح في أجهزة الحاسب أو الهواتف الخلوية، يذوي ويخرج ليتيح المكان لمصطلح أو مفهوم آخر، والأردن ليس استثناءً ولا حالة خاصة، ومع ذلك فإن شيوع مصطلح السردية يستحق وقفة مطولة لأنه مصطلح مراوغ وربما ليس هو الذي نحتاجه في هذه المرحلة.

تحدث رئيسا وزراء سابقان عن موضوع السردية الوطنية في الفترة الوجيزة الماضية ضمن الأنشطة التي ينظمها منتدى محمد الحموري الثقافي، وكان حديثهما يلقي بعض الأضواء على محطات تاريخية ومعاصرة مهمة، ويسهم في استكمال ما يتناساه البعض عندما ينظرون للصورة الكاملة، وهي الواسعة والمعقدة في تاريخ الأردن، بحيث لا يمكن الإحاطة بكامل تفاصيلها، بل وعلى العكس من ذلك، يمكن الحصول على روايتين متناقضتين لحدث منفرد في التاريخ، أو مرحلة كاملة منه، وهذه حالة طبيعية، ولكن يبقى أن فكرة السردية وبناءها وتطويعها وما إلى ذلك ليست مهمة الفاعل السياسي، وليست من حيث المبدأ مقدمة يمكن البناء عليها، ولكنها نتيجة لعملية طويلة متعددة المستويات (تربوية، ثقافية وإعلامية) يحكمها بصورة أو بأخرى، خطاب الدولة، الذي يفترض تعاليه على وجهة نظر حكومية أو رسمية، فهو خطاب وجودي بالدرجة الأولى.

تربويًا، يبدو أن الأيديولوجيا التي اختطفت وزارة التربية والتعليم من قبل فاعلين سياسيين في مراحل مختلفة، القوميون والإسلاميون، على السواء، كان لها دورها في تغليب هوياتي (عروبي وإسلامي)، وفي مراحل مبكرة من الرحلة التربوية، بحيث أن الدولة الوطنية تأتي كـ (نتاج) بأكثر منها (منطلقًا)، وربما هذه المسألة تحتاج إلى أصحاب الخبرة الذين يدرسون كيف تتمثل مفاهيم (الوطن) و(الدولة) لدى الطلبة في مراحل مبكرة من أعمارهم.

ثقافيًا، يكفي النظر إلى جدالات رابطة الكتاب الأردنيين بوصفها أحد تمثلات النخبة للوقوف على حالة السردية الوطنية ومشكلاتها، فكثيرًا ما حضرت دمشق والقدس، وتغيبت عمان عن انتخابات الرابطة! وفي النهاية لم يكن الدور التنويري حاضرًا بين صراع الأنوات والذوات، ولم يكن الدور النقابي متواجدًا أو مطروقًا.

إعلاميًا، وبالمفهوم الواسع الذي يمكن أن نضيف تجاهه الإنتاج الفني والدرامي الذي تتبناه وتموله الدولة، فهل يمكن أن نتساءل عن أعمال درامية تقدم تاريخ الأردن، وهل يمكن أن نفكر عن السبب الذي لم يجعل مسلسلًا مثل أبناء القلعة يستحوذ على حصة مماثلة لما تحصل عليه ليالي الحلمية في الذاكرة الجمعية المصرية، مع تقارب الغاية، فأين أخفقنا في بناء حضور درامي يشكل جزءًا أصيلًا من السردية، طالما أننا أنتجنا في النهاية؟ أما المفهوم الإعلامي الذي يتعلق بوسائل الإعلام، فربما نجحت قناة المملكة أن تستحوذ على حصة من المتابعة، ولكنها قناة إخبارية في النهاية، والأردنيون بحاجة إلى إعلام أكثر تفاعلًا مع قضاياهم اليومية وانفتاحًا على أسئلتهم التاريخية.

هذه هي الجهات التي تحمل السردية، والمسؤولون الحاليون والسابقون، لديهم أدوارهم الدستورية وأوصافهم الوظيفية، وهم يحاسبون من قبل السردية ولا يمتلكون صلاحية إنتاجها، ولكن ما يمكن أن نسألهم عنه هو دورهم في بناء خطاب الدولة الذي يعزز من الإيمان باستجابتها المسؤولة عن مواجهة التحديات وتفويت الفرصة على الطعن بالتقصير أو التفريط.

لا نبالغ ولا نقع في الفخ الذي ذهبت بعض الدول من ادعاء رسالة للدولة، أو غاية تخرج عن توفير حياة أفضل للمواطنين ضمن منظومة الحقوق والواجبات، وهذه أيضًا جزء من الخطاب الذي يقطع الطريق على اجتهادات السرديات التي ترى الدولة من ناحية تحيزاتها وأفكارها المسبقة.

مواضيع قد تهمك