محمد خروب : عربدة صهيونية على لبنان

منذ توصل «الوسيطان» الأميركي والفرنسي إلى وقف لإطلاق النار على الجبهة اللبنانية قبل خمسة أشهر (27/11/2024)، لم تتوقف آلة الحرب الصهيونية عن مقارفة جرائم الحرب والتدمير والتهجير، ونسف كامل قرى وبلدات الحافة الحدودية المُحاذية لفلسطين المُحتلة. على نحو بدا فيه التواطؤ الأميركي ـ الفرنسي صارخاً ومكشوفاً، حداً وصلت بهما الحال، إلى «حلّ» غرفة عمليات الثنائي الفرنسي ـ الأميركي، التي كان يقودها جنرال أميركي صهيوني الهوى كالعادة. كان هدفهما من ذلك (تخلي واشنطن وباريس عن دورهما) هو دحرجة المشهد، الى «تطبيع» بين لبنان والكيان الفاشي، يتكفل جيش النازية الصهيونية بجر لبنان إليه، عبر مواصلة عمليات القصف والاغتيالات والتمسّك بـ«خمس تلال لبنانية استراتيجية»، تطل على مستوطنات الشمال الفلسطيني المحتل.
لم تُحرّك واشنطن كما باريس ساكناً أمام احتجاجات السلطات اللبنانية المُتكررة. في الوقت عينه الذي ارتفعت فيه أصوات صهيو-أميركية وخصوصاً لبنانية انعزالية وأخرى طائفية، تدعو إلى نزع سلاح حزب الله، وانتهاج «الدبلوماسية» وحدها، للضغط على تل أبيب كي توقف عدوانها على لبنان، الذي إلتزم بالقرار 1701، فيما أدار العدو الصهيوني ظهره بإزدراء للقرارات الدولية كعادته بدعم أميركي وغربي.
وإذا كانت فرنسا قد «تسوّلت» دوراً في لبنان (الذي ما تزال تنظر إليه كمُستعمَرة سابقة، ومنطقة نفوذ فرانكوفوني لاحقاً)، عبر خيانة شعارات الثورة الفرنسية وتنكّرها لالتزاماتها تجاه المحكمة الجنائية الدولية، بموافقتها على «شرط» نتنياهو بأن تقوم باريس بالإعلان عن رفضها «اعتقاله» تنفيذاً لمذكرة الاعتقال. وهو ما حصلَ عندما أعلن ماكرون شخصياً، أن بمقدور نتنياهو القدوم لفرنسا دون أن يخشى الاعتقال، كون إسرائيل «ليست عضواً» في الجنائية الدولية، فإن ما انتهى إليه الدور الفرنسي البائس في لبنان يدعو للرثاء بل للشماتة، خصوصاً ان الملف بـ"كامله» بات في عهدة واشنطن، وخصوصاً لدى مُساعِدة ستيف ويتكوف/ مبعوث ترامب للشرق الأوسط/مورغان أُرتاغوس، اليهودية (كما ويتكوف) والجندية السابقة في جيش الفاشية الصهيونية، التي تُزيّن «جيدَها» كما ساعدها الأيمن، بقلادة «نجمة داود» السداسية المُذهّبة، وتتعمّد إظهارها عند اجتماعها بالمسؤولين اللبنانيين.
وإذا كان نتنياهو واظبَ الزعم بنجاحه في استيلاد «شرق أوسط جديد»، بعدما منحته إدارة رئيس الإبادة والتطهير العِرقي/ الصهيوني بايدن المزيد من الأضواء الخضراء، وأمدَّته بقطار جوي من العتاد والقنابل والمُشاركة الفعلية في إبادة فلسطينيّي غزة والضفة المحتلة، وجاء رئيس التهجير وصاحب الصفقات العقارية ليمنح نتنياهو المزيد من الوقت لإبادة فلسطينيي غزة وتهجيرهم، فإن نتنياهو المأزوم والمُصاب بجنون العظمة (كما ترامب)، أخذ على عاتقه مهمة إخضاع المنطقة العربية لمشروع الأسرَلَة والهيمنة الصهيونية، القائم على الاستخدام المُفرط للقوة، وتقسيم المنطقة وخصوصاً سوريا ولبنان، إلى كانتونات طائفية وعِرقية ومذهبية، بدعم مفتوح من ترامب، ومبعوثه/ويتكوف ومساعدته الصهيونية/ مورغان اورتاغوس، التي لم تتورع عن القول بوقاحة وفي وضَح نهارات بيروت (المدمرة ضاحيتها الجنوبية والمُعرّضة لغارات جوية صهيونية لم تتوقف حتى أول أمس)، خلال زيارة لها لبلاد الأرز: (لقد انتهت أيام حلّ المشاكل في الشرق الأوسط، «عندما يجتمع كل العرب ولا تجلس إسرائيل على طاولة المفاوضات». سواء كان الأمر يتعلق بغزة أو لبنان أو سوريا. مهما كان الوضع ـ اضافت أورتاغوس ـ يجب «إشراك إسرائيل في هذه المناقشات وفي هذه القرارات"). مُعرِبة في الوقت ذاته عن «أملها» في أن تقوم «المزيد من الدول العربية خلال رئاسة ترامب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، من خلال الانضمام إلى ما يُسمى «اتفاقيات إبراهام» التطبيعية.
وإذا كان هناك مَن لا يزال يلتقي بحماسة مع المطالب الصهيو أميركية، الرامية تفريغ بلدات وقرى الجنوب اللبناني وعدم اعادة إعمارها، وخصوصاً تلك الواقعة على الحافة الحدودية مع فلسطين المحتلة، بذريعة عدم تعريض المستوطنات الصهيونية في الشمال الفلسطيني المحتل للتهديدات، كما كانت الحال عليه قبل وبعد 8 اكتوبر 2023، عندما إنخرط حزب الله في حرب الإسناد، فإن التلكّؤ المُريب في البدء بإعمار الجنوب، أو أقله إزالة الركام وفتح الطرقات وترميم البنى التحتية وإصلاح شبكات المياه والكهرباء والاتصالات، سيُسهم ذلك كله في تشجيع العدو الصهيوني على المضي قُدماً في بسط سيطرته، ليس فقط على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني، بل خصوصاً شمال تلك المنطقة وصولاً إلى البقاع والحدود السورية اللبنانية، التي باتت في المهداف الصهيوني، بعدما سيطرَ العدو على كامل جبل الشيخ السوري المحتل (والجولان أيضاً وصولاً إلى ريفيّ دمشق ودرعا). في وقت لا يتورّع فيه انعزاليّو لبنان عن دعوة الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله بالقوة. رغم إدراكهم أن ذلك سيقود إلى حرب أهلية وتفكك الجيش اللبناني، وذهاب لبنان إلى المجهول أو وقوعه في قبضة العدو الصهيوني.
فمَن هو صاحب المصلحة في حدوث كارثة كهذه، خاصة بعد مرور نصف قرن على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانبة؟ ــ الراي
kharroub@jpf.com.jo