د. طلال طلب الشرفات : الوحدة الوطنيّة ضرورة لا تحتمل الاجتهاد

في باكورة الشباب كانت هذه الكلمة تستفزني كثيراً، وكنت أظنها قيداً سلبيّاً على الهوية الوطنيّة الأردنيّة، ولون الدولة وكيانها، ولكن الربيع العربي أضاء جانباً مُعتماً من هوى النفس، وقلق الفكر، وأثبت أن الحفاظ على أمن الدولة واستقرارها ليس منوطاً بعرق أو دين أو منطقة بل خليطاً بين مصالح العيش المُشترك ومقتضيات السلم الأهلي اللذان يحفظان الأرض، والعرض، ومتطلبات الاستقرار المجتمعي.
الوحدة الوطنيّة ضرورة، والهويّة الوطنيّة الأردنيّة متطلب أساس للحفاظ على حق العودة، ودرس قاسٍ للمشروع اليميني الإسرائيلي المتطرف القائم على التَّهويد والتَّهجير وصناعة الوطن البديل، وربما الدولة البديلة إن استطاعوا لذلك سبيلاً، والحوار الوطني النخبوي بين مختلف القوى السياسيّة والاجتماعيّة يجب أن يكون قائماً على حقيقة واحدة راسخة مفادها أن لا تناقض بين متطلبات الوحدة الوطنيّة، وهوية الدولة التي لا تلفظ أحداً ما دام رافضاً للمشاريع الاسرائيلية، وسياستها التوسعيّة الخبيثة.
اليوم، وبعد أن طالبنا بإلحاح احترام المرجعيات القانونيّة والدستورية للعمل السياسي والحزبي، وبعد أن حسمت الدولة هذا الجدل في نشاط ما يُسمّى ب"جماعة الأخوان المسلمين"، وبقي حزب جبهة العمل الأسلامي الممثل القانوني للحركة الأسلاميّة على الساحة الوطنيّة وفقاً لقانون الأحزاب؛ فان مقتضيات المصلحة الوطنيّة العليا احترام قواعد التعددية السياسيّة، وتوجب علينا احترام وجوده السياسي في الحدود الذي يلتزم فيه بمضامين الدستور والقانون، والمرجعيّة الوطنيّة للعمل السياسي.
ليس لنا مصلحة وطنيّة في اجتثاث قوة سياسية لها أنصار وروّاد من بين ظهرانينا لمجرد عدم اتفاقنا معها في التوجهات السياسية، أو انزعاجنا من نجاحها في الاستقطاب مهما كانت الوسائل لا تروق لنا، ومن حقنا أن ننافس أيديولوجيتها وبرامجها في الشارع، ونحاول استعادة جماهير الموالاة التي تم اختطافها بأدوات ووسائل قانونيّة؛ دون إغفال أن تكون القوى السياسيّة" كل القوى" مُلزمة بالالتزام بأحكام القانون ومضامين الدستور.
لا أدري إن كان المزاج العام لقادة جبهة العمل الإسلامي مؤهل ومهيأ لقبول النصيحة الصادقة لنقول لهم بكل المشاعر الحريصة على مشاركة الجميع في البناء الوطني: اقتصدوا في خطاب الغضب لحساب مساحات الاعتدال والتسامح، ولتكن الأولويات الوطنيّة مُقدمة على كل ما عداها، وبعد الوطن بهويته وسيادته ودوره الفاعل نتفاعل مع كل القضايا القومية والإسلامية والإنسانيّة، ولتكن مضامين الدستور مشاعل إيمان حقيقي في توجهاتنا السياسيّة.
في معركة الوفاق الوطني ليس مسموحاً لأحد بتقويض منظومة الأمن الوطني، ولا يملك شخص أو جهة سياسية إنهاك الوحدة الوطنيّة بالمُماحكة والمُغالبة المٌمنهجة، ولا يجوز لنا أن نٌصادر حُلم الدولة وحكم القانون برغائبية تتجاوز الهدف من مُحاسبة المُخطئ بما يستحق، لا أكثر.