الأخبار

د. سند ابو راس : «إن ما كبرت ما بتصغر»

د. سند ابو راس : «إن ما كبرت ما بتصغر»
أخبارنا :  

جملة عالقة في أذهاننا من مسلسل باب الحارة، وبالنسبة لي، هي من أبلغ ما قيل في الدراما التلفزيونية. فرغم قِصرها، تحمل في طياتها حلاً لكثير من النزاعات، بدءًا من الخلافات البسيطة على المستوى العائلي، وصولًا إلى النزاعات بين الدول الكبرى.

في بعض الأحيان، يكون التصعيد هو الحل الوحيد، خاصة عندما يسد الغرور آذان الظالمين. يأتي التصعيد في شكل صفعة توقظ المعتدي، وتُذكّره بأن الجميع قادرون على الرد، وأنه إن استمر في ظلمه، سيُسقى من نفس الكأس التي يروي بها الآخرين.

وحين يصل النزاع إلى طريق مسدود بسبب تعنت الظالم وعدم عقلانيته، لا بد من هدم الجدار فوق رؤوس الجميع حتى تتساوى تلك الرؤوس.

التصعيد يتناسب عكسيًا مع التشويش في فهم جذور المشكلات: كلما قلّ التصعيد، زاد التشويش؛ وكلما زاد التصعيد، انجلت الصورة. فحين تتعاظم المشاكل وتُكبّر ربما أكثر مما تستحق، تبدأ الجذور الحقيقية للنزاع بالظهور، بينما تتلاشى المشكلات التافهة. وهذا يجعل التركيز على جوهر النزاع وحلّه أكثر سهولة. أما عند التنازل وعدم التصعيد، فإن الظالم يزداد ظلمًا وغرورًا، وتتشعب المشكلات وتتأزم، مما يجعل التصعيد لاحقًا أكثر صعوبة وخطورة.

في حالة التصعيد، يبدأ العدو بأخذ أمورٍ لم تخطر بباله بالحسبان، وقد يصل به الأمر إلى الخوف ممن كان يظنه ضعيفًا أو لا قيمة له. وربما يبدأ بتقديم التنازلات حفاظًا على مصالحه المهددة، وقد يعود إلى رشده ليدرك أن القمع ليس الحل، وأن الظلم ليس السبيل، بل إحقاق الحق ونشر العدل.

سواء كانت النزاعات بين أفراد في العائلة أو الحي أو العمل، أو كانت بين دول، متى ما قام الطرف الأضعف بالتصعيد، يبدأ الطرف الظالم بالتقهقر. والسيكولوجيا الإنسانية لا تخذل في هذا السياق؛ سيتراجع العدو، إما بتقديم تنازلات وإرساء حدود واضحة، وإما بالاستسلام الكامل.

إذا أردت أن تقفز فوق حفرة، فلا يمكنك أن تفعل ذلك على مرحلتين؛ إما أن تقفز دفعة واحدة وتنجو، أو تسقط في منتصف الطريق وتهلك. كذلك التصعيد: إن بدأته، فلا بد أن تمضي فيه حتى النهاية مهما كانت الظروف. لأن التوقف في منتصف الطريق سيضيع مجهودك، وسيتوحش العدو أكثر مما كان، وقد تكون نهايتك قريبة؛ فقد رأى قوتك وسيحرص على كسرها ومنعك من تكرارها.

الجانب المظلم في التصعيد أنه لا يتم دون تضحيات جسيمة، ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. ولكن في كلتا الحالتين، إذا لم تتحرك، ستضحي بما لديك عاجلًا أم آجلًا؛ لأن الظالم لا يتوقف عن ظلمه ما لم يُردع. فالتضحية في سبيل الحرية خيرٌ ألف مرة من التضحية بلا مقابل خوفًا من الخسارة.

مواضيع قد تهمك