صالح الراشد يكتب : الجهل قاتل والتفكير جوهر الإنسان

صالح الراشد
يقتل الجهلاء الدول ويدمرونها بكل ثقة وقوة بتمترس الجهلاء خلف فكرهم ورفض أي فكر آخر، ويملك هؤلاء ثقة كبيرة يفتقدها العلماء الذين يؤمنون بالخطأ والصواب متناسين قول الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، وبالتالي يتحقق فيهم قول داروين: "الجهل يولد الثقة على نحو أكثر مما تفعل المعرفة" وقول الفيلسوف راسل: "إن مشكلة الناس هي ان الاغبياء واثقين من انفسهم، والعارفين تملؤهم الشكوك"، حيث قال الفيلسوف الفرنسي ديكارت: "أنا أشك فأنا أفكر فأنا إذن موجود"، وهي نظرية يطبقها العقلاء لقبول الآخرين ويرفضها أصحاب الفكر المغلق لتصبح "أنا أشك فانت مرفوض".
واليوم وفي ظل الظروف الضبابية التي تجتاح العالم نشاهد عشرات المحللين والأصوب القول عشرات المضللين الذي يتصدرون المشهد في القنوات الفضائية ، وهم يهرفون بما لا يعرفون ليكونوا السبب الرئيسي في زيادة الضباب وضعف الرؤيا، وعلى طريقهم يسير مجموعات كبيرة من السياسيين الذي يجدون صعوبة في رؤية أنوفهم ويتحدثون عن مستقبل بعيد لا يصل إليه فكرهم، فيسوقون للمجهول على أنه واقع معلوم مؤكد رافضين أي تشكيك بجهلهم لينطبق عليهم قول الفيلسوف أرسطو حيث قال :" الجاهل يؤكد، و العاقل يشك"، ويقول الفيلسوف نيتشه: "العقول العظيمة مُتشككة"، لنجد ان العقول الصغيرة واثقة من فكرها لتروج له بصوت مرتفع يخلو من أبسط آداب لغة الحوار.
وحدد سقراط أصل الأشياء قبل توجيه النقد اللاذع واعتبار النفس فوق الآخرين بأن يعرف الإنسان نفسه، وأن يتحدث بطريقة حضارية علمية حتى يراه الناس من حروفه الناطقة وليس كلماته الصارخة، كما عليه أن لا يكون تابع لأحد سواءً فكرياً أو جسدياً وأن يملك الفكر السليم والرؤيا الصائبة والقدرة على احترام الرأي الآخر وعدم نبذه، وحتى يبدع الإنسان عليه عدم إدعاء المعرفة ومصارحة نفسه بجهلها ليطور آليات معرفته، كما عليه معرفة الفضيلة حتى يكون قادر على تحديد مواطن الخطأ والصواب، عدا ذلك سيكون السقوط نهاية طريق الرأي الأوحد المبني على هوى النفس وغايتها في الوصول للتفرد والإدارة.
ويسعى الغالبية عدا الفلاسفة في النهاية لجمع المال، وهو القوة الحقيقية إن كان خادماً لسيده، أما إذا كان سيداً لصاحبه فهو فساد وإفساد، ويعتبر الفكر السليم الثروة الحقيقية وزينة للعاقل فيما الجهل وكثرة المال مفسدة عظيمة، والفارق بين المال والفكر بان الكثير من الناس يعتبرون المال طريق السطوة والسعادة، وقد يكون نصف الفكرة صائب بالسطوة على الآخرين لكن لا شأن له بالوصول للسعادة التي لا تُطلب من الخارج بل تُخلق من الداخل بانسجام النفس مع ذاتها، وهنا تتضح الصورة بأن التفكير ليس مجرد رفاهية بل هو جوهر الإنسان وحياته وطريقه لبناء علاقات أكثر ايجابية في بناء المجتمعات.
آخر الكلام:
لا تدل الأسماء على جوهر الإنسان فزوجة طلحة بن عبيد الله كانت تسمى "الجرباء"، ولم يكن فيها جرب ولم تكن فيها مشكله اخلاقيه بل كانت في غاية الجمال، ومن شدة جمالها كان يقال( لا تقف معها إمرأة الا استقبحت)، فكانت جميع النساء يتجنبن الوقوف معها، لذلك سميت بالجرباء، لذا فليس كل ما يرفضه الناس سئ.