الأخبار

د. محمد هديب : الاردن امام مفترق طرق

د. محمد هديب : الاردن امام مفترق طرق
أخبارنا :  

يمرّ الأردن اليوم بلحظة فارقة في تاريخه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لحظة تحمل من التحديات بقدر ما تنطوي على فرص التحول والتجديد. إنها ليست أزمة عابرة، بل مرحلة مفصلية تُرسم فيها ملامح المستقبل، ويُعاد فيها تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين المؤسسات الرسمية والمواطن، وبين الطموح الوطني والإمكانات المتاحة.

إن حجم التحولات التي يشهدها الإقليم، وما يرتبط بها من ضغوط اقتصادية وتحديات أمنية وملفات سياسية معقدة، تضع الأردن أمام خيار واضح: إما أن يبادر إلى تحويل التحديات إلى فرص، عبر مشروع إصلاحي وطني شامل، أو أن يبقى في دائرة إدارة الأزمات وتأجيل الاستحقاقات، وهو خيار لا يمكن أن يُبنى عليه مستقبل.

الوعي الرسمي حاضر.. لكن هل يكفي؟
لا شك أن هناك وعيًا داخل مؤسسات الدولة بحجم التحدي وتعقيدات المرحلة. المؤشرات على ذلك متعددة، بدءًا من الخطاب السياسي الذي يزداد وضوحًا، مرورًا بفتح بعض الملفات الحساسة، وانتهاءً بإشارات واضحة إلى أهمية التحديث السياسي والإصلاح الإداري والاقتصادي. غير أن الوعي وحده لا يكفي. ما ينقصنا اليوم هو الانتقال من التشخيص إلى التنفيذ، ومن إطلاق النوايا إلى اتخاذ القرار، ومن الإصلاح الجزئي إلى المعالجة الجذرية والعادلة.

ترتيب البيت الداخلي أولوية وطنية
لا يمكن للأردن أن ينجز تحولًا حقيقيًا دون إعادة ترتيب بيته الداخلي. وهذه ليست فقط مسألة إدارية أو فنية، بل قضية سياسية بامتياز.
إن استعادة ثقة المواطن تبدأ من:
– إصلاح العلاقة بين السلطة والمجتمع، بما يعزز الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص.

– دعم استقلالية المؤسسات السيادية، وتحصينها ضد التدخلات والمصالح الضيقة.

– إعادة بناء الحياة الحزبية والنيابية على أسس برامجية لا فئوية، تعيد للسياسة معناها ولمؤسسات التمثيل قوتها.

ملء الفراغ واستعادة رجال الدولة
ثمة فراغ واضح في بعض مفاصل الدولة، ليس على صعيد المواقع فقط، بل على صعيد الدور والفعالية. نحن بحاجة إلى *رجال دولة حقيقيين*: من يمتلكون القدرة على اتخاذ القرار في الوقت الصعب، ممن يتقدمون الصفوف لا يتوارون خلف الإجراءات، ممن يعملون من أجل المصلحة العامة لا الحسابات الخاصة.

استعادة هؤلاء إلى الواجهة لا تكون بالحنين إلى الماضي، بل بتوفير بيئة مؤسسية تحفّز الكفاءة وتحترم النزاهة، وتضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيدًا عن منطق الترضيات والمحسوبيات.

نحو مشروع وطني شامل
المطلوب اليوم ليس فقط إصلاحات متناثرة هنا وهناك، بل مشروع وطني متكامل يضع رؤية استراتيجية واضحة للمستقبل، ويحدد أولويات الدولة، ويعتمد على شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع، وبين القيادة والشعب، وبين المؤسسات الرسمية والقطاع المدني.

هذا المشروع يجب أن يكون جامعًا وعابرًا للأزمات، ينطلق من مبدأ أن التغيير لا يعني تفكيك الدولة، بل *تجديد مشروعها على أسس صلبة*: دولة مدنية قوية، قادرة، عادلة، ومستقرة.

ختاماً، المرحلة القادمة تتطلب شجاعة وصدقًا، وحوارًا وطنيًا حقيقيًا لا شكليًا، يعترف بالتحديات ولا يخشاها، ويتجاوز الصيغ التقليدية في إدارة الدولة. إن بناء الأردن الجديد مسؤولية جماعية، تبدأ من رأس الدولة وتصل إلى كل مواطن. والفرصة ما زالت قائمة، لكنها تتطلب قرارًا، ورجالًا، ومشروعًا.


مواضيع قد تهمك