سامح المحاريق : خصوصية الإخوان وعمومية الدولة

يخرج أحد نواب حزب جبهة العمل الإسلامي على فضائية البي بي سي البريطانية ليطرح تساؤلات في معرض دفاعه عن تنظيم الإخوان المسلمين حول مصير عشرات الآلاف من الشباب المنضوين في الجماعة، متخوفًا من انجرارهم للمخدرات والجرائم والآفات الأخرى، ليقدم النائب نموذجًا للمنطق المضطرب والأعرج الذي يعتبر أحد لوازم العقلية العامة للإخوان المسلمين أثناء ممارستهم السياسية الطويلة.
لا يمكن لأحد أن ينكر وجود المخدرات بين فئة من الشباب بما استدعى تدخل الدولة واستثمارها عملياتيًا وسياسيًا في تأمين الحدود الشمالية خلال السنوات الماضية، ولكن الغالبية العظمى من الشباب الأردني لا يتعاطون المخدرات ويعيشون حياة محافظة ومنضبطة من غير أن يكونوا أعضاءً في جماعة الإخوان أو غيرها، وإلا فمن أين يتحصل الأردن على الطاقة العاملة التي تشغل قطاعاته الاقتصادية المختلفة، ومن أين يخرج آلاف الشباب الأردني الذين وجدوا فرصًا للعمل في أوروبا وكندا وغيرها في السنوات الأخيرة ليؤسسوا سمعة حسنة للعمالة الأردنية.
هل يعرف النائب مثلًا عن المركز الأردني الألماني لتسهيل حركة العمالة، وعن وجود اتفاقيات ستعقد قريبًا مع التدريب المهني مع بعض الولايات الألمانية، أم أن هذه الأخبار لا تهم نواب الإخوان المسلمين الذين يتطلعون لفرض رؤيتهم على ما يتعلق بمنازل الأردنيين وحياتهم داخلها، وسياسة الدولة الخارجية، أما في وسط ذلك، من قوانين تتعلق بالاقتصاد والاستثمار والبيئة وكل ما يتعلق بحياة المجتمع وحركته، فهي أمور تتعفف عنها الجماعة وأذرعها ولا تعتبرها من الأولويات أو الأمور التي تستأهل أن تزعج نفسها وأعضاءها المقيمين في عالمهم الخاص المتعالي عن واقع الناس وهمومهم اليومية.
الحقيقة أن الجماعة لم تحقق أية نجاحات في تجاربها التي تمكنت خلالها من الإمساك بزمام قرارات إدارية وتنظيمية تعني بشؤون الناس، لا في مصر ولا المغرب ولا تونس، ولنطرح جانبًا الحجة بالتعرض لضغوط ومناكفات، فكثير من الحكومات العربية تعمل أصلًا وهي تعيش الضغوط والمناكفات التي تمارسها الجماعة، أم أن الجماعة في طريقها لتحقيق وعودها تطلب البيعة الشاملة التي تشتمل في شروطها على صمت الجميع من أجل تمكينها، وهل تعتقد أن المجتمع ككل يجب أن يتصرف بنفس المسلك الجمعي الذي يمارسه أعضاء التنظيم؟
في دراسة شهيرة أصدرها الباحثان ابراهيم سيف ومحمد أبو رمان وعالجت البرامج الاقتصادية للإخوان المسلمين في أربع بلدان عربية، أظهرت المتابعة للتجارب الاقتصادية أن الإخوان لا يحملون جديدًا يختلف عما تطبقه الحكومات القائمة، مع وجود افتراضات قائمة على التمنيات والتوفيق أكثر مما هي مستندة على مقدمات ووقائع حقيقية، وأن الجماعة في الأردن تحمل برنامجًا اقتصاديًا ضعيفًا وهامشيًا ولم يشهد تطورًا يذكر في عشرين عامًا من تواجدهم في الحياة السياسية قبل الربيع العربي.
بالعودة إلى النائب الذي تشكى من عدم إتاحة فرصة الحديث أمامه، مع أن كان يلقي بأقواله ويبث بمخاوفه على قناة البي بي سي الواسعة الانتشار، وقبلها الجزيرة الأوسع انتشارًا، فالتخوف على الشباب الأردني لا يجب أن يقتصر على أعضاء الجماعة الذين يقدرهم بعشرات الآلاف، لأن الدولة معنية أصلًا بمعالجة موضوع الشباب والاشتباك معه بصورة مستمرة، لا على المستوى الاجتماعي بل وفي الخلفيات الاقتصادية التي لا تنفصل عنه، وهي لن تغرقها مشكلات نسبة إضافية من الشباب كانت الجماعة تعتبرهم نصيبها الخاص في وسط مشهد عام.
تثبت الجماعة قبل الممارسات والمواقف السياسية أنها تحمل فكرًا لا يتماشى مع التحديات القائمة أمام الدولة، وتشترك في الاشتباك مع المشكلات بطريقة انتقائية تسترضي من خلالها جمهورها السياسي، في مفارقة لمفهوم المواطنة بما تستدعيه من شمول وعمومية من خلال التخصيص والفرز الذي يقود بطريقة أو بأخرى للفاشية والانفصال عن الواقع تجاه محاولة تجاوزه لبناء المجتمع المتخيل الذي يثبتون مع التصدي له أن أكثر تعقيدًا وامتدادًا من أفكارهم الأولية وافتراضاتهم المبدئية. ــ الراي