رنا حداد تكتب : 40 لقمة !!

قبل كتابة هذا المقال اخضعت نفسي لعملية تجويع متعمد، حتى اتمكن من عد تقريبي لمجموع «اللقم» التي يمكن للجائع تناولها، فيما كانت النظرية التي أردت أثباتها لنفسي قبل اي أحد، (كيف يعني «عيار الشبعان 40 لقمة» ) !
كنت جائعة جدا، فالتهمت ما مقداره 27 لقمة فقط، «بصدق»، رغم انني لا اخضع لــ «ريجيم « وما شابه، اذا، كيف قال أسلافي العرب يا عرب «ان عيار الشبعان 40 لقمة»؟.
نعم، تأخذنا النخوة العربية في هذا القياس ايضا، فالعرب من كرمهم وحبهم لــ»توجيب» الضيف، وفي سبيل بياض الوجه، اخترعوا قصة الــ 40 لقمة، ليخرج ضيفهم من ثوب الخجل ويأكل مرتاحا.
اذا، هي قيمة عربية أصيلة، كانت تؤتي أكلها عندما «اكل الرجال ع قد افعالها « وليس «منشوراتها مثلا، المهم ان هذه القيمة المجتمعية اتجهت اليوم الى غير مرادها وأصبحت ارثا لابد من «اللعب بعدادته» وتغيير ارقامه، بعد ان تبينا ان حتى « الجوعان» لا تصل «لقمه» الى هذا العدد، ولابد من ضبط اليد، مفتاح الفم.
تقودك الاخبار لتقرأ رقما صادما يوضح ان هناك 282 مليون شخص في 59 دولة ومنطقة في العالم يعانون من مستويات مرتفعة ليس من الجوع، بل الجوع الحاد.
بالأمس شاهدت على تطبيق «الانستغرام» فيديو «مستفز» لرجل يعتذر من ضيوفه الكرام على عدم تقديم المزيد من الطعام لمائدة صورها وقد حملت اطنانا من شتى صنوف الطعام، اعتذر عن المبالغة اكثر من ذلك بدعوى عدم التبذير والإهدار، وكأن نفس هذا الرجل تهزأ من دعاة يخرجون لوقف التبذير وهدر المزيد من الطعام.
بنفس التطبيق ترى صورة طفلة تبلغ من العمر 23 شهرا تمسك بكوب من (العصيدة) الغنية بالعناصر الغذائية، مكن الحظ ذويها من الحصول عليه من خلال عرض غذائي في مجتمعها المحلي.
وبالطبع هناك زاوية في العالم لم تزرها كاميرات التصوير حيث يجلس طفل بملامح أنهكها الجوع، ينظر بحسرة إلى فتات الخبز وتكاد حنجرته تصرخ «اما آن الأوان أن توقفوا هذه الجرائم الغذائية التي ترتكبونها في حقنا نحن الجياع ؟».
الحالة الكريمة العربية فيما يخص هدر الطعام يجب ان تتوقف، فهي لامبالاة اكثر منها كرم واصالة، هي خسائر اقتصادية وتدمير لموارد الأرض.
فالمعادلة واضحة وانت جزء بسلوكك المبذر في صياغتها « الكثير من التبذير في استهلاك الطعام، هو خير اقل للمحتاجين».
لا يكمن الحل وتحمل المسؤولية في الامتناع عن الأكل، ولا بالتساهل بإكرام الضيف، بل في تقدير ما نأكل. في التحكم بسلوكنا الشرائي، ببساطة، يمكننا أن نكون أكثر إنسانية في تعاملنا مع الطعام.
تخيل لو أن كل شخص فكر مرتين قبل أن يرمي يشتري ويطهو ويرمي بقايا طعامه، اليوم اكثر من اي وقت مضى مطلوب منا جدا الأكل بوعي وإحترام الطعام والنعمة .
ترى لو فكرت بعدد «لقم» غيرك كيف سيتغير العالم؟
كيف ستقل مظاهر الجوع، وتزداد البركة في الطعام؟
الأمر ليس مستحيلًا، بل يبدأ بقرارٍ بسيط: أن نحترم النعمة قبل أن تزول. ـــ الدستور