نوف منير الور : «الوصاية الهاشمية» الأمان والهوية
في العالم، من الصعب وربما المستحيل أن تجد شعبا كاملا بكافة منابته وأصوله يجمع في ولائه لقيادة واحدة، أما في الأردن فالنموذج مختلف تماما، الإجماع على الولاء للهاشميين لم يكن من شعب واحد فقط، بل جاء من شعبين بمسلميهم ومسيحييهم، وبصمام أمان واحد لمقدساتهم، ففي فلسطين ليس من المستغرب أبدا أن تجد صورة لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين معلقة في صدر البيوت، ولا أن تسمع الهتاف والدعاء للهواشم تماما كما تلهج به أفواه الأردنيين، فهذان الشعبان ضمهما نهر خالد، لم يكن يوما إلا جامعا مقدسا لضفتيه.
في كل لقاءات جلالة الملك عبد الله الثاني وخاصة قبيل موسم الأعياد المجيدة، وفي شهر رمضان المبارك، بشخصيات مسيحية وإسلامية من ضفتي النهر تتوحد الصورة الفسيفسائية من دون نقصان، العيون والعقول والقلوب والشفاه، والنية والعلن بأن جلالته صمام الأمان الوحيد اليوم وغدا، وكما كان دوما خلال مسيرة يوبيله الفضي، صمام أمان العيش المشترك الأردني الأردني، والأردني الفلسطيني، وبوصايته الشرعية والتاريخية والعادلة، هو صمام الأمان الوحيد للمقدسات المسيحية والاسلامية على حد سواء، وضمان أمان لحق الوصول الحر إلى الأماكن المقدسة في القدس حيث قِبلة المسلمين الأولى، وقِبلة المسيحيّين الوحيدة.
في جميع لقاءاته هذه يرسل جلالته بوضوح للمعمورة كلها رسائلا كتبت بحبر سخاء مكارمه الهاشمية، ففي كل مرة يعلن فيها عن دعم أو ترميم أو اهتمام للمقدسات، هو يمنح توأمة مسيحية إسلامية، كما رمم «الأقصى» واعتنى به، أَنفَق شخصيا على «القيامة» لتعود حلة بهائها، وها هو اليوم يقدم منحة على نفقته الخاصة لدعم تأسيس الجامعة الأرثوذكسية الدولية في موقع المعمودية، ومنحة أخرى لتذهيب الزخارف التاريخية في قبة الصخرة المشرفة، لتغدو مكرمة ذهبية في اختتام عام اليوبيل الفضي لصاحب العرش.
إن الوصاية الهاشمية الأمينة على الأماكن المقدسة، لم تعد اليوم صمام الأمان للمقدسات فقط، بل باتت هوية لتثبت المقدسيين في أرضهم، وتضمن الحفاظ على الوضع القائم التاريخي والقانوني في القدس الشريف، لتتمكن القدس كما فلسطين من الصمود في وجه الكيان الغاصب.
إن الاردن والهاشميين لم يقدموا لفلسطين دعما ماديا ومعنويا فقط، بل قدموا أيضاً أبناء الجيش العربي للذود عن فلسطين، وما زالت أيادي كوادر الخدمات الطبية الملكية من منارات الجيش العربي، يضمدون الجراح في غزة هاشم وعموم فلسطين، هي استمرارية العطاء، نهج سار عليه الملوك الهواشم، كيف لا وقد استشهد أول ملوكهم على عتبات الأقصى.
اليوم، وفي كل لقاء إسلامي مسيحي، أردني فلسطيني، يعيد التاريخ نفسه، لتلك البيعة التي أطلقها أحرار القدس مسلمين ومسيحيين، لمبايعة شريف العرب المغفور له بإذن الله الحسين بن علي، ومن بعده الملك المؤسس الشهيد عبد الله الأول، وهي العهدة التي استمرت مع الملك طلال طيب الله ثراه، والملك الراحل الباني الحسين رحمه الله، وها هي اليوم تتجدد مع الملك عبد الله الثاني وتستمر عبر الأجيال بيعة حق من أرض اعتاد أهلها أن يقفوا مع قائدهم يدا بيد، ليعلو البنيان ويزدان الإنجاز وتستمر المسيرة. ــ الدستور