محمد يونس العبادي : دعوة أردنية باكرة لصون اللغة العربية
عام 1973 ميلادية، دخلت اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة، وأصبح يوم 18 كانون الأول, هو يوم عالمي للغة العربية، وهو تاريخ يذكرنا بأممية هذه اللغة، والتي نراها أعمق من التواصل بل هي الغنيمة الجامعة بين أبناء أمتنا.
تشير وثيقة عام 1927م، إلى أن الملك المؤسس طلب من إدارة المعارف، آنذاك، بتعليم طلبة الابتدائية في المدارس بلفظ الحروف مفتوحة لا ساكنة، كي تحافظ على صيغتها العربية
واليوم، نرى إقبال أجيال على هجرها، واتجاه أسر نحو تعليم الأبناء لغات أخرى في سن مبكرة، في تحول يجب أن نتنبه له، ذلك أن اللغة هي أداة التفكير بداية.
في بلدنا قانون لحماية اللغة العربية، ولكنه نظريا موجود وواقعيا غير مفعل، رغم نبل غايته وأهميتها، ولعل اليوم العالمي للغة العربية مناسبة تذكرنا بأهمية صون لغتنا وتعزيزها، خاصة ونحن نرى جوانب الضعف بإدراكها لدى الشباب خاصة.
وبين وثائقنا الوطنية تظهر وثيقة تعود لزمان الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، دعوة لصون لغتنا العربية.
والملك المؤسس في زمانه شارك المثقفين، وكانت له دوماً معهم مراسلات، ومساجلات، وربطته بهم علاقات أدبية، بينها: مقال حمل عنوان «نريد أدباء عرب في ألسنتهم وأقلامهم».
هذا المقال، نشر في 11 شباط 1937م، ُنشر تحت عدة عناوين بالصحافة الأردنية والفلسطينية، وبينها عنوان: بحث أدبي جليل يخص به صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله المعظم جريدة فلسطين.
وتقول الجريدة، إن هذا المقال الأدبي هو قطعة أدبية من البحث العلمي الرائع، تفضل به علينا صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله، ويقول سكرتير تحرير الجريدة، يوسف حنا بوصف الملك المؤسس، وهو خير من عرفت، دقة ملاحظة وعمق تفكير وسعة إطلاع وقوة تدليل، وبراعة أسلوب، بشرح رأيه وهو الرأي الناضج من مدرستي الأدب القديمة والحديثة.
ويضيف: «وسمو الأمير على علو المكانة الرفيعة التي يحتلها بين العرب، بصفته سليل الدوحة النبوية الطاهرة، وعميد العائلة الهاشمية، وريث النهضة العربية، ويمتاز بكونه أديبا عبقريا وشاعرًا مجيدًا وبحاثة مدققًا.
ويمضي المقال شارحًا منافع الأدب العربي، «والأدب العربي كما هو معلوم، أجود ما كان أميًا، في الأسلوب والديباجة والوصف بحيث يتغلغل في النفس، فيصور المقال ويشرح التباينات المناخية وتأثيرها على الأدباء العرب، ويقدم خلاله الملك المؤسس رؤية لما تميز به الأدب العربي في زمانه بالقول: إن ما يعتني به أدباء الوقت الحاضر من التحليل الروحي أو التصوير الشخصي أو النقد لشاعرٍ قديم أو أديب غابر كما فعل الأستاذ العقاد عن ابن الرومي، إن هو إلا عمل مجيد يسوق الناس إلى علم ما جهلوه، ويريهم الفرق بين رجال العصور السابقة والحاضرة? وذلك تعليقاً على بحث للعقاد نشره عن ابن الرومي.
واللافت في المقال، هو دعوة الملك المؤسس إلى الإقبال على اللغة الفصحى، مع إدراك الاختلافات التي شابت الأدب القديم عن الجديد بقوله «غير أننا لا نميل إلى مطالعة الشعر الجديد غير الموزون وغير المقفى كما هو.. «ثم إنه لا يخفى أن العروة الوثقى التي تصل بين العرب إنما هي لغتهم الشريفة، التي صابرت الأيام وطاولت الدهر، وإنه لمن البر بها أن نعمل على تطهيرها من الشوائب، وأن نأتي بها في قالبها المحكم، فتبقى سبباً موصولاً بيننا وبين الأجداد وما تفتقت عليه أذهانهم، وجرت به ألسنتهم ونقي خواطرهم».
ويدعو الملك المؤسس في مقاله، إلى الإقبال على استخدام اللغة العربية الفصحى، بقوله: وإنه لاحجر على الفكر ولا عليه أن يصول أو يجول كيف شاء واستطاع، وإنما نود أن يرفل في ثوبه العربي القشيب، فلا عدوان على اللغة ولا عقوق لأسلوبها ولا جحود.
هذه الصيغة الرفيعة للملك المؤسس من بين ثنايا ما كتبه، ختمها الملك المؤسس بالدعوة إلى العناية باللغة، والنزول عند أحكامها.. ونحث الناس على أن يكونوا عرباً في ألسنتهم وأقلامهم وأن يقتبسوا ما شاءوا من رأي وفكر». ــ الراي