محمد جودت الرفاعي : النجاح الكاذب على «السوشال ميديا» وهم يزيف حياتنا

نعيش في عالم مليء بالتحديات والطموحات، حيث أصبحنا نسمع كثيراً عبارة «بدك تنجح أتعب»، ورغم صحتها وعمق معانيها، ولكنها باتت مقولة متداولة لدى الكثير من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي «السوشال ميديا» للتأثير على عقول الشباب لتحفيزهم والتأثير في نفوسهم.
هذه الحياة بدون أهداف واضحة ومحددة حياة خاوية لا قيمة لها، إذ يكاد لا يخلو قطاع أو مجال من قصص نجاح مميزة ونوعية تستحق أن تُنشر وتُبرز وتُسوق في وسائل الإعلام المختلفة سواء الرقمية أو الاجتماعية أو التقليدية لتكون حافزاً للآخرين لإثارة هممهم، فقد تؤدي قصة نجاح بسيطة إلى ملحمة نجاح عظيمة، فمنا من يرى النجاح في تحقيق ثروة، أو استقرار في الأسرة، وغيرنا يراه في إنجاز مهني أو وظيفي، أو أثر إيجابي يتركه في حياة الآخرين.
وفي عصرنا الحالي، ظهر نوع آخر من النجاح على مواقع التواصل الاجتماعي «السوشال ميديا» التي نتشارك فيها لحظاتنا السعيدة وإنجازاتنا، وهو «النجاح الكاذب» الذي يقوم أشخاص بالترويج له عن طريق نشر قصص نجاح مزيفة أو محرفة على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف خلق صورة مثالية عن حياتهم، والتي قد تروج أحيانًا للأوهام وتدفع الآخرين للشعور بالضغط والقلق والخذلان.
تتسبب هذه القصص المزيفة في الضغط الهائل على الشباب الذين يُريدون البدء بحياتهم العملية والمهنية وحتى الاجتماعية، بينما الواقع يكون بعيداً عن الصورة الحقيقية، إذ أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة لعرض صور «الإنجازات» الشخصية وتحوّلت إلى منافسة بين الناس لعرض أفضل لحظاتهم فقط، مع إخفاء كل ما هو غير مثالي، ما جعلها تؤثر على حياة البعض ويظنون أنهم «فاشلون»، ما قد يؤدي عند البعض إلى الشعور بالاكتئاب والقلق، أو حتى اتخاذ قرارات غير مدروسة لمحاكاة تلك الحياة المثالية.
وعلى الجانب الآخر هناك أشخاص ناجحون بسبب استغلالهم للفرص، وليس بالضرورة أن نقول عنهم أشخاص استغلاليين أو لا أخلاقيين، بل يمكن وصفهم بأنهم أصحاب حضور يسعون للأماكن والعلاقات والمعارف التي تساعدهم على النجاح بشكل أسرع من الآخرين، أو يكون لديهم ذكاء وبديهة يستطيعون من خلالها قراءة احتياجات المستقبل أو المجتمع.
النجاح بحاجة للذكاء والاجتهاد وسعة الأفق، وهذا ما يميزنا في أماكن عملنا وبين أهالينا وحتى بيننا كأخوة، ولنكن صريحين، الحياة ليست دائماً «وردية» كما يقولون، بل تتطلب جهداً وإصراراً للوصول للأهداف، والمرور بالفشل أحياناً، ويجب علينا أن نتصالح مع أنفسنا ونفهم بأن الحياة ليست دائماً كما نراها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن نتذكر أن لكل شخص قصة مختلفة وتجربة خاصة به، فبدلاً من أن نشعر بالضغط أو الحسد تجاه قصص النجاح الكاذبة، يجب أن نركّز على تطوير أنفسنا ومهاراتنا، فالنجاح الحقيقي ليس مجرد لحظات سعيدة تعلن على الإنترنت، بل هو رحلة حقيقية من العمل الجاد، الصبر، والتعلم من الأخطاء، فكن «راضياً عن نفسك». ــ الراي