الأخبار

د . عدلي قندح : تأثير التباين في السياسات النقدية العالمية

د . عدلي قندح : تأثير التباين في السياسات النقدية العالمية
أخبارنا :  

في الأيام الأخيرة، شهد العالم توجهات متباينة في السياسات النقدية وخاصة لأكبر اقتصادين عالميين؛ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي اختار تثبيت أسعار الفائدة، بينما قرر البنك المركزي الأوروبي خفضها بسبب اقتراب معدلات التضخم في الاتحاد الأوروبي من المستويات المستهدفة عند 2٪. هذه التوجهات المتباينة تعكس الظروف الاقتصادية المختلفة في كل منطقة، وتؤدي إلى تأثيرات متباينة على الدول الأخرى، بما في ذلك الأردن.

ولدى البحث السريع عن أسباب تثبيت أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي تبين، أولاً، أن معدلات التضخم لا تزال مرتفعة، أعلى من 3٪، على الرغم من الجهود المستمرة لكبح التضخم. هذا الوضع يجعل من غير المناسب تخفيض أسعار الفائدة حالياً، حيث أن ذلك قد يزيد من الضغوط التضخمية بدلاً من تهدئتها. وتثبيت الفائدة يساعد في إبقاء التضخم تحت السيطرة. ثانياً، أن الاقتصاد الأميركي يظهر علامات استقرار نسبي، مع نمو مستدام ومعدلات بطالة منخفضة. في ظل هذه الظروف، يفضل بنك الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على الوضع القائم لتجنب أي صدمات اقتصادية قد تنتج عن تغييرات مفاجئة في السياسة النقدية. ثالثاً، أن تثبيت أسعار الفائدة يساهم في استقرار الأسواق المالية، حيث يقلل من التقلبات الشديدة في أسعار الأسهم والسندات، وهذا الاستقرار المالي ضروري لضمان بيئة اقتصادية صحية ومستدامة.

بالمقابل، هناك مجموعة من الأسباب التي دعت البنك المركزي الأوروبي الى خفض الفائدة نجملها فيما يلي: أولاً، انخفاض معدلات التضخم في الاتحاد الأوروبي واقترابها من المستوى المستهدف عند 2٪، مما يعطي البنك المركزي الأوروبي المرونة اللازمة لخفض الفائدة بهدف دعم النمو الاقتصادي. ثانياً، أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تواجه تحديات اقتصادية وتباطؤ في النمو. لذا، فان خفض أسعار الفائدة يهدف إلى تعزيز النشاط الاقتصادي من خلال زيادة السيولة وتحفيز الاقتراض والاستثمار. ثالثاً، بانخفاض تكلفة الاقتراض، يشجع البنك المركزي الأوروبي الشركات والأفراد على الاستثمار في مشاريع جديدة، مما يعزز النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة.

وقد لجأت بعض الدول ذات السياسات النقدية المستقلة عن السياسة النقدية التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي الى تخفيض أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية ونذكر منها سويسرا، المكسيك، والسويد التي خفضت الفائدة لأول مرة هذا القرن قبل معرفة قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، كاسرة بذلك التقليد المتبع منذ سنوات.

ومن الملعوم أن السياسة النقدية في الأردن تتأثر بالتغيرات في السياسات النقدية العالمية، خاصة المتعلقة بالبنوك المركزية الكبرى مثل الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي. وفيما يلي بعض التأثيرات المحتملة:

أولا، استقرار العملة الأردنية: فمع تثبيت الفائدة من قبل الفيدرالي، كان من المرجح أن يحافظ البنك المركزي الأردني على استقرار أسعار الفائدة المحلية لتجنب أي تأثير سلبي على سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار. هذا الاستقرار في سعر الصرف ضروري للحفاظ على استقرار الأسعار وثقة المستثمرين.

ثانياً، تكلفة الاقتراض: نظراً لمحافظة البنك المركزي الأردني على أسعار الفائدة مستقرة، فان ذلك يساعد في المحافظة على تكلفة الاقتراض عند مستويات معقولة، مما يشجع على الاستثمار المحلي ويعزز النمو الاقتصادي.

ثالثا، التضخم المحلي: يعتمد التضخم في الأردن جزئياً على التغيرات في الأسعار العالمية بما يُعرف يالتضخم المستورد الذي يشكل قرابة 56% من معدلات التضخم المحلية، والقرارات الاقتصادية الكبرى. وتثبيت الفائدة الأميركية قد يساعد في استقرار الأسعار العالمية، وبالتالي استقرار معدلات التضخم في الأردن. وعلى النقيض، فان خفض الفائدة الأوروبية قد يؤدي إلى زيادة التدفقات الاستثمارية إلى أوروبا على حساب الأسواق الناشئة، ما قد يفرض تحديات إضافية على الأردن.

رابعاً، التجارة الدولية: تتأثر الصادرات الأردنية بالتغيرات في الطلب العالمي الذي يتأثر بدوره بالسياسات النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا. وتحفيز النمو الاقتصادي في أوروبا قد يعزز الطلب على السلع الأردنية، بينما يمكن لتثبيت الفائدة في الولايات المتحدة أن يحافظ على مستويات الطلب الحالية دون تغييرات كبيرة.

نختم بالقول: إن التباين في السياسات النقدية بين بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي يعكس الظروف الاقتصادية المختلفة في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويؤدي إلى تأثيرات متباينة على الاقتصاد العالمي والدول الأخرى مثل الأردن. ويتطلب الوضع الحالي إدارة حذرة وتوازناً دقيقاً من قبل البنك المركزي الأردني لضمان استقرار الاقتصاد المحلي، ودعم النمو الاقتصادي، والحفاظ على استقرار العملة المحلية في مواجهة هذه التحديات العالمية المتغيرة. ــ الراي

مواضيع قد تهمك