الأخبار

أ.د. محمد عبده حتاملة : الاحتلال الصليبي للقدس

أ.د. محمد عبده حتاملة : الاحتلال الصليبي للقدس
أخبارنا :  

توجهت الجيوش الصليبية بعد أكثر من سبعة أشهر من سقوط أنطاكية لاحتلال بيت المقدس التي كانت حينئذ تحت حكم الفاطميين. وانقسمت القوات الصليبية إلى فرقتين: الأولى بقيادة (ريموند كونت تولوز) والثانية بقيادة (جودفري دي بويون) وذلك في سنة 492هـ/ كانون ثاني 1099، ووصلوها سنة 492هـ/ 7 حزيران 1099م، وبدأوا حصاراً محكماً حول المدينة، وأخذوا يقصفونها معتمدين على عدد كبير من آلات الحصار كانوا يصحبونها معهم، ولم يملك المسلمون في داخل المدينة إلا محاولة المقاومة اليائسة.
وبعد أسبوع من الحصار، وصلت الصليبيين إمدادات من المؤن والسلاح وبعض الجنود من أوروبا، وكان لهذه الإمدادات أكبر الأثر في تثبيت أقدامهم، ومن ثم ازداد الحصار ضراوة وقوة، ومرت أيام صعبة، ومضى شهر كامل والمدينة محاصرة، وأصبح الموقف صعباً على الفريقين، إذ بدأت حرارة الصيف تلهب رؤوس الصليبيين، وتناقلت الأخبار في الوقت نفسه أن الفاطميين أخرجوا جيشاً من مصر لإنقاذ المدينة المحاصرة، فأسرع الصليبيون الخطوات لكي يحتلوا المدينة المقدسة قبل أن يتعرضوا للمشكلات التي عانوا منها في حصار انطاكية التي تم فتحتها عام 1099م، وصنع الصليبيون برجين خشبيين للارتفاع فوق أسوار المدينة، وبدأ الهجوم باستخدام السهام المشتعلة، ومع ذلك تمكن الصليبيون باستخدام البرج الثاني من الضغط على المدينة، واستطاعوا فتح أبوابها، ومن ثم تدفقوا بغزارة إلى داخل المدينة المقدسة! وكان ذلك يوم الجمعة 22 شعبان 492هـ/15 تموز 1099م، تحت وابل من الحجارة والسهام والقذائف المحشوة بالمواد سريعة الاشتعال التي انهال بها الفاطميون على رؤوس الصليبيين، ومع ذلك تمكن الصليبيون من دخولها.
ولم يكن المسلمين المحاصرين في داخل القدس من هم إلا الفرار من وجه الجنود الصليبيين الذين كانت تبدو عليهم علامات الوحشية والبربرية. وقد انطلق الصليبيون الهمج ليستبيحوا المدينة، ولك يجد السكان المذعورون أملاً في النجاة إلا في الاعتصام بالمسجد الأقصى لعل الصليبيين يحترمون قدسية المكان أو يراعون حرمة دور العبادة، إلا أن الصليبيين ذبحوهم في المسجد، وكان عددهم سبعين ألفاً ما بين رجل وامرأة وطفل.
وقد ذكر وليم الصوري – وهو أحد مؤرخي الحرب الصليبية- ان بيت المقدس شهد عند دخول الصليبيين مذبحة رهيبة، حتى أصبح مخاضة واسعة من دماء المسلمين، أثارت الرعب والاشمئزاز.
وذكر شهود عيان أن الصليبيين ذبحوا في المسجد الأقصى عشرة آلاف شخص، ومما له دلالات كبيرة في هذا الشأن أن الفرسان الصليبيين كانوا يقيمون صلواتهم أمام قبر السيد المسيح عليه السلام، ثم ينتقلون فوراً إلى الأعمال الدموية، إذ يذبحون الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، والأصحاء والمقعدين، ويسحقون رؤوس الرضع على الحجارة، وينهبون كل ما يجدونه. وفضلاً عن المسلمين، سقط يهود القدس ضحية لجنود الصليبيين، فقد اجتمعوا في كنيس كبير أبادهم الصليبيون عن بكرة أبيهم، ثم أحرقوا الكنيس بمن فيه.
وذكر مؤرخ معاصر للحروب الصليبية أنه عندما زار الحرم الشريف، غداة المذبحة الرهيبة التي أحدثها الصليبيون فيه، لم يستطع أن يشق طريقه وسط أشلاء المسلمين إلا بصعوبة بالغة، وان دماء القتلى بلغت ركبتيه!
وبعد ارتكابهم هذه المذبحة في بيت المقدس أخذ الصليبيون يغنون: «أيها اليوم الجديد، أيها اليوم الجديد، أيتها البهجة، أيها الفرح الجديد الدائم، ذلك اليوم خالدة ذكراه طوال القرون التالية، حول كل عذابنا ومصاعبنا إلى فرحة وبهجة، ذلك يوم تثبيت أكيد للمسيحية ومحق الوثنية وتجديد لإيماننا». ــ الدستور

مواضيع قد تهمك