الأخبار

الشريف : في ذكراك الثالثة عشرة قلق

الشريف : في ذكراك الثالثة عشرة قلق
أخبارنا :  

{‏‏وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ‏} «الطلاق: 2-3».

ــ اسماعيل الشريف :

والدي... سأبوح لأصدقائي عن أحد أسرارك لأنني تعلمت منها الكثير، أبرر عملي هذا بأنك نشرت فكرك وأفصحت عن مشاعرك في مئات المقالات التي حملت عنوان: «الرياضة العقلية»، وأهديت الكتاب الأول فقلت: «شباب أمتي... أقدم هذه الباقة من تجارب الحياة».

والدي، بدأت قصتي في زمن كورونا التي فرضت ضغوطًا لم أختبرها من قبل، تملّكني القلق، قلقت من كل شيء، الإصابة بالمرض والرزق والفواتير ومستقبل الأولاد...

استفحل الأمر فسيطر قلقي عليّ، وأظن أنني أدمنته، اعتقدت أنه أحد أفضل أسلحتي في مواجهة أي أمر، أتخيل المشكلة، أرسم عدة سيناريوهات لحلها، يعجبني أحدها، أبتسم ابتسامة المنتصر، ترتاح نفسي، حتى أجد أمرًا آخر يدعوني للقلق في دورة لا تنتهي.

ثم غدا الأمر مَرضيًّا، فبتُّ أقلق من كل شيء؛ مواعيد عملي، كتابة مقالتي، حالة الطقس والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، ثم زاد الأمر أكثر لأقلق من شروق الشمس وغروبها في موعدهما، ومن يأجوج ومأجوج ونزول المسيح، وحركة الطيران ومواقع النجوم.

بدأت أراجع نفسي في كل مناسبة أحضرها أو كلمة أقولها، هل كنت محقًّا أم مخطئًا؟ هل سيسامحني الشخص المقابل؟ هل يحبني أم يكرهني؟ ثم أسئلة أكثر غباءً على شاكلة: هل بدأ نظري بالضعف؟ ظهري يؤلمني لا بد أن هذا الروماتيزم.. هل أتخيل كل هذا أم أنها أوهام؟

استيقظت في أحد الأيام بعد نوم ٍخفيف متقطع، لأعرف أن قلقي بات مرضيًّا، توجهت ناعسًا لاستكمال ما بدأته من ترتيب أوراقك، وقعت يدي على دفتر صغير غلافه من الجلد البني، فتحته فوجدت على الصفحات اليمنى عبارات بخطك الأنيق بدت لي جملًا عن أمور تقلقك، وعلى الجانب الأيسر عبارات تبين إذا قلقك قد تحقق أم لا، ثم عبارات امتنان وشكر.

سرقت فكرتك هذه فبدأ قلقي يخرج إلى الضوء، لم يعد سِريًّا، في بداية الأمر كنت قلقًا من مجرد الكتابة، رأيت الأمر مهينًا، ولكنني تعرفت على عدوي، ومع الوقت بدأت أتحرر من هذا القلق، عجبتني الفكرة فبدأت بالعودة لسنوات طويلة مضت، دونت كل ما أقلقني حين كنت صغيرًا؛ علاقتي بزملائي، الامتحانات، فقدان قريب، المباريات.

لم يستغرق الأمر طويلًا لأكتشف أن معظم مخاوفي لا أساس حقيقي لها من الصحة، فأفكاري لم تكن عقلانية، لم تنتج أي شيء ذا فائدة، بل حولت حياتي لجحيم، لم يتحقق معظم قلقي، فبعضٌ من أبنائي تخرّج والآخرون قطعوا شوطًا طويلًا في التعليم، والبعض تزوج، فلغاية الآن ورغم الصعاب ما زال أنفي فوق الماء، وبصراحة لا أعرف كيف تم كل ذلك، ولكنه تم.

كتابتي هذه أرتني كل مخاوفي، أدركت، وقيّمت حجمها الحقيقي، تيقنت أن القلق من أسوأ الطرق لحماية نفسي، فقد شل تفكيري، وأتلف أعصابي.

وأنت يا أخي العزيز، إذا كنت تمر بما مررت به، اكتب ما يقلقك، اجتهد وحاول واعمل وتوكل على الله، واذكر الله، فبذكر الله تطمئن القلوب، وتذكّر، فالعمل الصالح والإيمان الراسخ القوي، كل هذه أسباب لإزالة القلق، وهذا ما يؤكده أكبر علماء النفس.

أبي في كل خلجة من خلجات نفسي أجدك حاضرًا ومُعلِّمًا.

رحمك الله.

مواضيع قد تهمك