الأخبار

مالك العثامنة : دولة القانون في وجه البلطجة

مالك العثامنة : دولة القانون في وجه البلطجة
أخبارنا :  

الخطط والبرامج الجامعية بين الإرث التقليدي ورهانات الثورة الصناعية الخامسة
تواجه الجامعات الأردنية والعربية اليوم منعطفًا حاسمًا في مسيرتها الأكاديمية، يتمثّل في ضرورة الانتقال من نموذج تعليمي تقليدي يقوم على 132 ساعة معتمدة كحدٍ ادنى، إلى نموذج جديد يتوافق مع متطلبات الثورة الصناعية الخامسة؛ تلك الثورة التي لم تعد تكتفي بتوظيف التكنولوجيا، بل تسعى إلى خلق منظومة تعليمية تتسم بـ الإنسانية، والذكاء، والابتكار الموجَّه لخدمة المجتمع.

لقد ورثت جامعاتنا نظامًا أكاديميًا صُمّم قبل عقود، حين كان الهدف الرئيس توسيع المعرفة العامة لدى الطلبة وإكسابهم ثقافة جامعية شاملة. ومع أن مواد التخصص تشكّل حوالي 67% من الخطة، فإن الساعات المتبقية فقدت جزءًا كبيرًا من وظيفتها بفعل تغيّر الزمن، وأصبحت بحاجة إلى إعادة صياغة تجعلها أكثر صلة بسوق العمل وبالاقتصاد المعرفي.

ويبقى السؤال الجوهري اليوم:

هل ما نُدرّسه فعلاً قادر على إعداد خريج منسجم مع عالم الثورة الصناعية الخامسة؟

أولًا: 132 ساعة فأكثر… بين الواقع والحاجة المستقبلية

لم يعد عدد الساعات معيارًا عالميًا للجودة، بل تحوّل التركيز إلى قيمة الساعات ومردودها المهاري. ففي عصر الثورة الصناعية الخامسة، لم يعد يُنظر إلى الطالب بصفته مستقبِلًا للمعلومات، بل شريك في إنتاج المعرفة، وتطوير الحلول، وتوظيف الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان.

ولهذا تتجه الجامعات العالمية إلى:

• تضمين التدريب العملي الإلزامي كجزء جوهري من الخطة، لا كمتطلب ثانوي.

• رفع الساعات التطبيقية إلى 40-50% ضمن بيئات تعليمية تحاكي بيئة العمل الفعلية.

• إدماج الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وأتمتة العمليات في مختلف التخصصات—ليس فقط في التخصصات التقنية فقط.

• تعزيز المهارات الناعمة مثل التواصل، والعمل الجماعي، والتفكير النقدي، وإدارة المشروعات، وهي مهارات تشكّل ركيزة أساسية للثورة الصناعية الخامسة.

• تنفيذ مشاريع مشتركة مع القطاع الخاص والمنظمات المجتمعية لتجسير الفجوة بين التعليم والاقتصاد.

وبذلك يتضح أن الإشكالية ليست في رقم 132 بحدّ ذاته، بل في السؤال الأهم:

كم ساعة من هذه الساعات تُنتج طالبًا قادرًا على الإبداع والتكيّف وصناعة القيمة؟

ثانيًا: مقارنة النماذج العالمية – فهم الفلسفة قبل التطبيق

1. النموذج الأمريكي: المرونة والابتكار

يعتمد على تعدد المسارات، ومنح الطالب فرصة لاستكشاف ميوله، مع تركيز على المشاريع والعمل الجماعي والتقييم المستمر. ويُعد هذا النموذج الأقرب لفلسفة الثورة الصناعية الخامسة، لأنه يوازن بين التقنية والإنسان.

2. النموذج البريطاني: العمق والتخصص

يرتكز على التخصص المبكر، والمهارات البحثية، والتحليل العلمي المتقدم. قوته تكمن في وضوح المسار الأكاديمي، لكنه يتطلب جاهزية عالية من الطالب منذ سنواته الأولى.

3. النموذج الأردني: الشكل حديث… أما الجوهر فبحاجة إلى تحديث

ورغم أن هيكلة البرامج قريبة من النموذج الأمريكي، فإن التطبيق ما يزال أسير الأساليب التقليدية القائمة على المحاضرة والامتحان، في حين يغيب مبدأ التعليم التشاركي، التعاوني، والابتكاري الذي تمثله الثورة الصناعية الخامسة.

ثالثًا: الفجوة مع سوق العمل في عصر الثورة الصناعية الخامسة

تتمثل الإشكالية اليوم في فجوة ثلاثية:

1. فجوة بين المحتوى التعليمي واحتياجات السوق.

2. فجوة بين طرائق التدريس ومتطلبات التعلم التفاعلي الحديث.

3. فجوة بين قدرات الخريج ومتطلبات الاقتصاد المعرفي.

فالجامعات العالمية تُشرك الشركات وقطاعات الابتكار مباشرة في تصميم الخطط الدراسية وتحديثها سنويًا، بينما يظل التحديث لدينا موسميًا وغير مرتبط بالتغيرات السريعة في سوق العمل.

وتتطلب هذه المرحلة تبنّي نموذج تعليمي جديد يرتكز على:

• التعلّم القائم على الذكاء الاصطناعي المساعد.

• توظيف الروبوتات التعاونية (Cobots) في المختبرات التطبيقية.

• الدمج بين الإنسان والتكنولوجيا في كل مسار تعليمي.

• الاستثمار في المهارات «فوق التقنية» Super Skills كالمرونة الذهنية والإبداع والقدرة على حل المشكلات.

رابعًا: الطريق إلى إصلاح حقيقي للخطط والبرامج الجامعية

لا بد للإصلاح الأكاديمي من أن يكون مشروعًا شاملًا، لا معالجة جزئية، ويتضمن:

1. إعادة هندسة الخطط الدراسية بناءً على مهارات المستقبل لا مقررات الماضي.

2. تعميم التعلم القائم على المشاريع وربطه بالتحديات الاقتصادية والمجتمعية.

3. إدماج الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في جميع التخصصات بدرجات متفاوتة.

4. إعادة تعريف التدريب الميداني ليصبح تجربة تعليمية حقيقية تقاس بنتائج ومهارات.

5. تعزيز ثقافة الابتكار داخل الحرم الجامعي عبر حاضنات الأعمال ومراكز الإبداع.

6. مأسسة الشراكات مع القطاعين العام والخاص كجزء من تصميم البرامج لا كعامل مساعد فقط.

7. تطوير قدرات أعضاء هيئة التدريس في التعليم القائم على المهارات والتعلم النشط.

هذا التحول ينسجم مع رؤية الثورة الصناعية الخامسة التي تجعل من الجامعة مركزًا لإنتاج المعرفة والابتكار البشري، لا مجرد مؤسسة تمنح الشهادات.

الخلاصة: نحو جامعة تمتلك القدرة على التكيّف لا كثرة الساعات

أثبتت التجارب الدولية أن جودة التعليم لا تُقاس بعدد الساعات، بل بـ:

• قيمة الخبرة التعليمية،

* عمق المهارات المكتسبة،

• مدى مواءمة البرامج لسوق العمل،

• قدرة الخريج على الإبداع والتكيف،

• وتمكنه من أدوات الثورة الصناعية الخامسة.

وإذا أرادت جامعاتنا أن تبقى فاعلة وقادرة على المنافسة، فلا بد لها من الانتقال من نموذج «التعليم للتذكّر» إلى نموذج «التعليم للابتكار».

فهذا هو الطريق الحقيقي لجامعة المستقبل…

جامعة تُخرّج إنسانًا قادرًا على قيادة التكنولوجيا، لا أن تُقاد التكنولوجيا عنه.

ــ الراي
إذا كنا ننادي بدولة مؤسسات وقانون، فلا يجوز ان نتعامل مع ذلك كشعار مناسبات، فالدولة لا تُبنى بالتذمر ولا بالثرثرة، ولا تنهض بالصوت العالي في منصات الضجيج، بل حين نقرر ان نحتكم الى المؤسسات التي وُجدت لتحمي الحق وترد الظلم وتكسر حلقات الترهل والفساد التي تخنق الاستثمار وتضعف الثقة.


نظريا، لدينا منظومة دستورية وقانونية تشكل القناة السليمة للشكوى والتبليغ، لكن قوة هذه المنظومة لا تظهر إلا حين نختبرها، وحين نضعها امام محاولة تفلت او استقواء او استثمار في ثغرات قانونية يستغلها من يرى نفسه فوق المحاسبة، وعبر اسبوعين كاملين عايشت تجربة تكشف ان الدولة، رغم كل ما يقال، ما تزال قادرة على استعادة حضورها حين تتوفر الارادة.
مجموعة من الشباب الأردني اسست شركة ناشئة في قطاع التطبيقات الذكية، وضعت فيها رأس المال والخبرة والعرق، وشغلت مئات الشباب ضمن بيئة محترمة وقانونية، لكنهم وجدوا انفسهم امام منافسين دوليين يستخدمون ادوات قانونية ملتبسة اشبه ببلطجة مغلفة، ونجح هؤلاء في استغلال ثغرات كادت تُسقط الشركة الاردنية من السوق الذي بدأت تثبت نفسها فيه بصعوبة.
حين وصلتني الحكاية، نقلتها الى العين مصطفى الحمارنة رئيس لجنة الخدمات في مجلس الاعيان، فاستمع مشكورا وبحس عالي من الاهتام الوطني الى التفاصيل بدقة، وبدأ بمخاطبة الجهات المختصة وجمع الوثائق اللازمة، ثم عقد جلسة استماع كاملة للجنة ليستمع الاعيان مباشرة لاصحاب الشركة ويضعوا القصة تحت ضوء القانون والتعليمات والأصول، مع ذات الحس الوطني المرتفع والحكيم، وخلال ايام تجاوبت المؤسسات التنفيذية والوزارات المعنية بمجرد ان تحرك المسار الرقابي، وتم الوصول الى حلول تحمي الشركة وتوقف التغول وتحفظ حق الشباب وفق القانون والانظمة.
في الوقت ذاته كان الجدل محتدما حول شكوى اطلقها مستثمر اردني معروف عبر وسائل التواصل، ما دفع رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان الى التأكيد بوضوح على ضرورة مواجهة اي تعطيل او فساد او ترهل يواجه الاستثمار، وعلى ان قنوات الدولة الدستورية مفتوحة للجميع، بدءا من مكتبه في الرابع ووصولا الى اخر مؤسسة مختصة، وقد لخصت لدولته قصة في تواصل مباشر عن قضية الشركة الشابة فجاء رده متسقا تماما مع فكرة دولة القانون التي لا تساوم على حق ولا ترتبك امام نفوذ.
وهكذا انتهت القصة، لا بضجيج، بل بإحياء معنى الدولة حين تقرر ان تمارس دورها.
الدولة.. هي ألا تسمح للبلطجة ان تتخفى خلف القانون.

ــ الغد

مواضيع قد تهمك