أ. د. تركي الفواز : الأردن نحو آسيا: تحوّل اقتصادي لا يمكن تجاهله
تشير التحركات الأردنية في الفترة الأخيرة إلى انتقال واضح نحو مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي على الشرق، في وقت يشهد فيه العالم تغيّرًا سريعًا في مراكز القوة الاقتصادية، وتمثل جولة جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم في آسيا نقطة تحول حاسمة في الاتجاه الاقتصادي الأردني، إذ تأتي كخطوة مدروسة للانفتاح على أسواق عالمية مؤثرة، وتوسيع دائرة الشراكات التجارية والاستثمارية، وترسيخ حضور الأردن في فضاءات اقتصادية كبرى تشهد نموًا متسارعًا في قدراتها الاستهلاكية والصناعيةـ ويبرز هذا التوجّه باعتباره استجابة واقعية للمشهد العالمي الجديد، حيث لم يعد الاعتماد على الأسواق التقليدية يكفي لضمان النمو والاستقرار.
لقد فرضت التقلبات العالمية والتحولات في سلاسل التوريد، وصعود القوى الاقتصادية الآسيوية واقعًا جديدًا يدفع الأردن إلى البحث عن خيارات أكثر تنوعًا وأوسع تأثيرًا، فالأسواق الآسيوية بحجمها الهائل واحتياجاتها المتنامية تمثل فرصة واعدة للصناعات الأردنية، سواء في مجالات الدواء، أو الغذاء، أو الخدمات اللوجستية، أو التكنولوجيا الحديثة، والانفتاح على هذه الأسواق لا يقتصر على توسيع الصادرات، بل يشمل بناء شراكات طويلة الأمد، ونقل خبرات، وفتح مسارات جديدة للقطاع الخاص نحو فضاءات تنافسية أكبر، ويتضح أن نجاح هذا التوجّه يعتمد بشكل أساسي على قدرة القطاع الخاص الأردني على تعزيز حضوره، ورفع مستوى تنافسيته، والاستثمار في القطاعات التي تمتلك فرصًا حقيقية في الأسواق الآسيوية. فالمنافسة هناك تعتمد على الابتكار وسرعة الاستجابة والقدرة على تلبية المعايير العالمية، وهي عناصر تتطلب جاهزية عالية واستعدادًا للتحول، وإذا تم استثمار هذه الخطوة بذكاء، يمكن للأردن أن يتحول إلى مركز إقليمي لإعادة التصدير والتصنيع المشترك، مستفيدًا من موقعه الجغرافي المميز.
كما أن التركيز على قطاعات المستقبل مثل: الطاقة المتجددة، التكنولوجيا الزراعية، الأمن السيبراني، الاقتصاد الرقمي، والصناعات الغذائية المتقدمة، يعكس توجهًا وطنيًا لمواكبة الاتجاهات الاقتصادية العالمية التي تقوم على المعرفة والقيمة المضافة، وهذه القطاعات قادرة على رفد الاقتصاد الأردني بقيمة حقيقية إذا ترافقت مع سياسات استثمارية مرنة ووجود بنية تحتية متطورة، ورغم أن الطريق نحو التكامل الاقتصادي مع آسيا ينطوي على تحديات مثل ارتفاع كلفة الإنتاج، والحاجة إلى تعزيز تنافسية الصناعات الوطنية، وتسريع وتيرة القرار الاقتصادي، إلا أن حجم الفرص المتاحة يفوق حجم المخاطر. فالدول الآسيوية تبحث عن شركاء قادرين على الالتزام وتحقيق قيمة مضافة، وتولي أهمية للاستقرار السياسي والأمني، وهي عوامل يمتلك الأردن فيها سجلًا إيجابيًا يمكن البناء عليه.
في نهاية المطاف، يعكس هذا التوجّه نحو آسيا إدراكًا عميقًا بأن مستقبل الاقتصاد الأردني لا يمكن أن يُبنى على المسارات التقليدية وحدها، وأن العالم يتكوّن من جديد حول محاور اقتصادية صاعدة، والانفتاح الأردني على آسيا خطوة تعكس رغبة واضحة في الانتقال من دور المتلقي لتأثيرات الاقتصاد العالمي إلى موقع الشريك الفاعل في صنع التحولات، النجاح يتطلب رؤية ثابتة وإصلاحات داخلية موازية، لكنه يبقى هدفًا قابلًا للتحقق إذا استمرت الإرادة السياسية واستمر العمل الاقتصادي المنظم.