د. ايوب ابو دية : تخويل عمّال النظافة بالإبلاغ عن المخالفات
في كل صباح، تفتح عمّان عينيها على حركةٍ دؤوبة لعمّال النظافة وهم يجوبون الشوارع، يكنسون، يجمعون، ويرفعون أكياس القمامة المتراكمة حول الحاويات التي نفّلها الباحثون عن أرزاقهم فجرا. جيش أخضر يطوف شوارع عمان وزقاقها بهمة ونشاط.
هؤلاء العمّال هم أول من يواجه التلوث اليومي، وأول من يشعر بالإحباط عندما تتكرر المشاهد ذاتها بعد دقائق من تنظيف الشارع، حين يرون البعض يقذفون علب القهوة والسجاير وبكيتات الدخان من النوافذ بكل ثقة وقحة. والمفارقة أن من يعمل لتنظيف المدينة ليس صاحب قدرة أو سلطة على وقف أسباب اتساخها، بينما من يساهم في اتساخها يمضي دون مساءلة.
تقوم الفكرة المقترحة هنا على تخويل عمّال النظافة حق توثيق مخالفات إلقاء النفايات في الشوارع عبر هواتفهم، بحيث تُرسل الصور وفيديوهات المخالفين بشكل مباشر إلى الجهة المختصة (تماما مثل واتس مخالفات الأمن العام الناجح بامتياز) لإصدار مخالفة مالية بحق من قام بذلك الفعل المشين، مقابل حصول العامل على نقاط أو مكافأة مالية عن كل مخالفة موثقة تؤدي إلى ضبط فعلي.
بهذه الطريقة، يتحول عامل النظافة إلى مساعد للأمن البيئي، ومن شخص حيادي لا حول له ولا قوة، أي من مجرد موظف يجمع ما يلوثه الآخرون، إلى عنصر فعّال في الوقاية ومشارك في منظومة حماية النظافة العامة.
الغرامات موجودة في القوانين، ولكنها نادرًا ما تُطبَّق إلا عند وجود رجل أمن، ولكن من غير المعقول زيادة الأعباء عليهم في خضم حملات تنظيم السير الأخيرة والمكثفة المشكورة والمثمنة كثيرا، لذا فإن الاستعانة بالكتائب الخضراء في توثيق المخالفة بالصورة سوف يخلق ردعًا فعليًا، خاصة في ظل وجود عمّال النظافة في كل شارع وزقاق يشاهدون المخالفات يوميًا، لكنهم لا يملكون وسيلة للتصرف.
إن تحفيز العامل بدل إرهاقه نفسيًا وجسديا هو الحل الأمثل، فبدل أن نتركه يشعر بأنه يحارب عبثًا، عندها سوف يشعر بأنه شريك في الحل ويحصل على مكافأة، فيقل عناؤه، ومن ثم يزداد عدد الأردنيين في الكتائب الخضراء لشعورهم بأهميتهم، فتزداد المدينة نظافة وبهاء. وما ينطبق على عمان ينطبق على المدن الأخرى في الاردن.
وتكون النتائج كما يلي: شوارع نظيفة، وانخفاض في التلوث البصري، وزيادة الانضباط البيئي، وتقليل تكلفة جمع النفايات العشوائية. وهكذا يتحول عامل النظافة من عامل خدمة محايد إلى مراقب بيئي مع حافز مادي ومعنوي وتربوي بيئي يعزز ثقافة احترام المكان واحترام الآخرين.
قد يثار سؤال حول حماية الخصوصية. وهنا يمكن تطبيق ضوابط واضحة، بحيث لا تُنشر الصور للعامة، فقط تُستخدم داخل النظام الإداري، كما يحدث في مخالفات المركبات. وتكون الكاميرا موجهة نحو الفعل المخالف تحت طائلة المحاسبة. ولا تستقبل البلديّة أو الأمانة البلاغات إلا عند وجود مخالفة واضحة وموثقة.
وبذلك تكون النتائج المتوقعة خلال فترة قصيرة بانخفاض واضح في عدد المخالفات، لأن الشخص سيفكّر مرتين قبل رمي ورقة أو سيجارة في الشارع. أيضا هناك ميزة ترسيخ ثقافة اجتماعية جديدة، وهي أن الشارع ليس ملكًا بلا صاحب، بل ملك للجميع، وأن الشارع هو جزء من بيتك الصغير، ومعيار نظافته مرتبطة بحبك لبلدك، ومراة تعكس تحضر الاردن وشعبه.
ختاما نقول إن نظافة المدينة ليست مسؤولية عاملٍ واحد، بل نتيجة ثقافة ووعي ونظام مراقبة فعال. وتخويل عمّال النظافة بآلية توثيق المخالفات وتحفيزهم عليها ليس إجراءً عقابياً للمخالفين بقدر ما هو تحويل لقوة المجتمع نحو السلوك الصحيح وتحسين نفسي لدى عمال النظافة، وإضفاء شعور بالعدالة والانصاف.
وفي اللحظة التي يدرك فيها المواطن أن رمي ورقة صغيرة على الأرض قد تكلّفه مخالفة، سيغيّر سلوكه — وعندذاك فقط تتحول عمّان إلى مدينة أكثر احترامًا لذاتها ولأهلها وتقدم صورة أكثر تحضرا للعالم.