د محمد كامل القرعان : كيف يعيد الملك عبدالله الثاني تشكيل موقع الأردن في العالم؟
العالم يمر اليوم بتقلبات سياسية واقتصادية حادة، وتتصاعد فيها الصراعات الإقليمية والدولية، ما يجعل التحرك الاستراتيجي للدول الصغيرة أكثر أهمية من أي وقت مضى. في هذا السياق، تتحرك الجولات الدولية لجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله كأداة رئيسية لتثبيت موقع الأردن، وتعزيز دوره في بيئة دولية متغيرة ومعقدة، حيث لا يملك الأردن رفاهية الحياد أو العزلة.
تتحرك الدبلوماسية الملكية من منطلق إدراك عميق بأن وزن الأردن لا يُقاس بحجمه أو موارده، بل بقدرته على إنتاج موقف سياسي عقلاني ومتوازن يمنحه شرعية دولية واسعة. وكل جولة ملكية تدخل في إطار «صناعة الموقع» وليس فقط «إدارته»، وهي عملية تهدف إلى تثبيت الأردن كدولة لا يمكن تجاوزها في القضايا الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. الموقف الملكي الثابت من إقامة دولة فلسطينية وصون الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس يمثل معادلة استراتيجية تمنح الأردن دورًا تفاوضيًا محوريًا.
وعلى المستوى الدولي، تتحرك الجولات الملكية ضمن معادلة دقيقة تُوازن بين علاقات الأردن مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والدول العربية، إضافة إلى القوى الصاعدة مثل الصين والهند. هذا التوازن ليس مجرد تنويع للعلاقات، بل خيار إستراتيجي يحمي الأردن من الانجرار إلى محاور سياسية متصارعة، ويتيح له مساحة مناورة تمنع أي ضغوط قد تهدد مصالحه الحيوية.
ومن منظور اقتصادي سياسي، تُستخدم الجولات الملكية كأداة لخلق بيئة إقليمية ودولية داعمة للاقتصاد الأردني، حيث يرتبط الاقتصاد الوطني بشكل مباشر بالتطورات الإقليمية، وبالقدرة على جذب الاستثمارات وتعزيز الثقة الدولية بالأردن. ويصبح الحضور السياسي الفاعل لجلالة الملك عنصرًا أساسيًا في بناء صورة الأردن كدولة مستقرة وقادرة على إدارة تحدياتها، ما يمنحها ميزة سياسية واقتصادية في آن واحد.
كما تعكس الجولات الملكية إدراكًا لأهمية الأمن الإقليمي، وخاصة في ظل التحولات المتسارعة على حدود الأردن الشمالية والشرقية. التعاون الأمني الذي يبنيه جلالته مع الدول الكبرى لا ينطلق من منظور أمني ضيق، بل من فهم أن استقرار الأردن جزء من معادلة أمن إقليمي أوسع، مما يجعل الأردن لاعبًا موثوقًا في ملفات مكافحة الإرهاب وضبط الحدود وحماية الاستقرار في المنطقة.
وفي ظل التحولات العالمية، حيث تبرز قوى جديدة وتتراجع أخرى، تأتي الجولات الملكية كوسيلة لحماية مصالح الأردن في عالم يعاد تشكيله. فهي بمثابة خط دفاع سياسي متقدم يحافظ على مكانة الأردن ويمنع تهميشه في ترتيبات ما بعد الصراعات.
وبذلك، فإن الجولات الدولية لجلالة الملك عبدالله الثاني ليست مجرد تحرك دبلوماسي بروتوكولي، بل ممارسة استراتيجية تهدف إلى حماية موقع الأردن وتعزيز نفوذه في عالم سريع التغير. إنها سياسة دولة تُدار بوعي عميق لمعادلات القوة والتحالفات، وتعكس إدراكًا بأن حضور الأردن السياسي ودوره الإقليمي لا يُبنى بالانتظار، بل بالفعل والمبادرة المستمرة.
والمطلوب من الدولة متابعة هذه الزيارات والبناء على نتائجها، كما على سفاراتنا في الخارج تفعيل أدواتها الدبلوماسية لتعظيم مكاسب الجولات الملكية وتحويلها إلى فرص سياسية واقتصادية ملموسة تخدم المصالح الوطنية.