الأخبار

بشار جرار : الضمان الاجتماعي عشية قمة آلاسكا

بشار جرار : الضمان الاجتماعي عشية قمة آلاسكا
أخبارنا :  

على وقع قمة آلاسكا الأمريكية الروسية، أخط هذه السطور. الموضوع كبير ويعنينا شرق أوسطيا وأردنيا، لكنه يحتمل التأخير. ما آثرت تقديمه قبل أن يتوارى عن أنظار الشاشات الأمريكية على الأقل، خبران محليان أكثر صلة وأهمية: التوجه نحو «فَدْرَلَة» واشنطن دي سي لمكافحة الجريمة والتشرد والتسوّل والتسكّع وتشويه المباني واللافتات بما يعرف ب «غرافيتي» باسم حرية التعبير أو الفن!!

أما الموضوع الثاني فهو توقيع ترمب -في الذكري التسعين لل «سوشال سِكيورِتي» الأمريكي- أمرا تنفيذيا رئاسيا لإصلاح هذا الجهاز الفدرالي الحساس. الكلمة المستخدمة في الأصل تترجم حرفيا ب»الأمن»، الأمن وليس الضمان الاجتماعي، ولا هو أيضا بالتأمين على غرار شركات التأمين على الحياة والممتلكات. في الأصل، هو التعامل مع جني ثمار كد العاملين بأنفسهم، وبالتالي المسألة ليست فقط صرف مدخرات ومستحقات، بقدر ما هو جني أرباح وعوائد حسن الاستثمار بالمستقبل وفق مقولة: من جَدّ وجَد..

فرانكلين روزفيلت، المعروف اختصارا ب «إف دي آر» هو الرئيس الثاني والثلاثون لأمريكا والأطول خدمة في تاريخ البلاد، والوحيد الذي خدم أكثر من ولايتين، حيث حصل على أربع ولايات انتهت بمفارقته الحياة عام 1945.

لطالما تفاخر الحزب الديموقراطي بأن رئيسا من حزبهم هو الذي أصدر مشروع هذا القانون الذي أقره الكونغرس قبل تسعة عقود. لم يتخيل الديموقراطيون أنهم سيكونوا موضع لوم على قرب إفلاس «الأمن الاجتماعي» جراء الفساد الصريح والمبطّن ذلك المعروف بالترهل الإداري وانعدام الحكمة والحصافة في اتخاذ القرارات الصائبة، الشمولية العميقة المستدامة. الأمن كلٌ متكامل، لا يتجزّأ، والمسؤولية فيه تضامنية تشاركية كما القارب الذي لا يحتمل خرقا أسفل مِقعدة أخرق يظن أو يدعي أنه حرٌ فيما يملك!

لن أدخل في دوامة الأرقام فهي صادمة تخطف الأبصار وتزيغ الأنظار بما يشبه الحاجة إلى الاستفاقة من غيبوبة أو «حلاوة الروح» كما يقال عندما تكون الضحية «سارقتها السكين»، سكين التضخم النقدي والأعداد المهولة من المشتركين - المنتفعين والمُعالين على حد سواء- بصرف النظر عن أحقيتهم فيما ادّخروا من أموال في شبابهم، لشيخوختهم أو لمرضهم.

ملايين الأسماء والحسابات التي كشفتها «دوج» الهيئة التي أسسها إيلون ماسك بأمر من ترمب لترشيد الإنفاق الحكومي في مستهل ولايته الثانية. ملايين المستفيدين من «الأمن أو الضمان الاجتماعي» من غير وجه حق. من «المستفيدين» منهم ليسوا بمواطنين أصلا، لا بل وبينهم من دخل البلاد بشكل غير شرعي ومارس الجريمة العابرة للحدود، منها الاتجار بالبشر -الأعضاء البشرية- والسموم المسماة المخدرات، والرق الجنسي بما فيه الأطفال المخطوفون من أحضان ذويهم داخل أمريكا وخارجها.

من بين المليارات المصروفة -المسروقة- شهريا منتفعون وهميون لا وجود لهم، بمعنى أنهم مجرد حسابات بنكية لمحتالين داخل أمريكا وربما خارجها أيضا في ظل الأتمتة والرقمنة المصرفية، بلا ضابط ولا رادع.

من بين الهدر والسرقة المالية المنظّمة والمبرمجة شهريا، مليارات الدولارات لمن يزعمون أنهم من طويلي الأعمار، من المعمرين، وعددهم بالملايين بينهم من هم فوق المئة وعشرين عاما لا بل وحالات عمرها مئة وستون سنة، مقابل تناقض صارخ لمنتفعين ما بلغوا الفطام، أي في عمر الرضاعة!

كل ما تقدم من السهل حله. القضية الرئيسية هي إعادة تعريف ما صار عُرفا -وهو أقوى من القانون على الصعيد الدولي- بأن الاستثمار الوظيفي المالي في المستقبل هو مسؤولية مشتركة، غايتها الأساسية إعانة من عمل بجد وأمانة واقتدار على العيش الكريم الذي تساعد فيه جميع قطاعات المجتمع وليس الحكومي أو العمومي فقط، وإلا بلغنا خطر الاستنزاف والتآكل والإفلاس لا قدّر الله، كما حذر ترمب من البيت الأبيض، الخميس عشية قمة آلاسكا.

ثمة تجارب عالمية بالإمكان الاستفادة منها، فيما يخص صنع القرار في الادخار والاستثمار والإنفاق، على حد سواء. من بين تأمينات أو استثمارات القطاع الخاص ما يعرف بأمريكا ب «فور أو وان كيه». حتى لا ندخل في أمثلة أخرى قد يصعب حصر تفاصيلها، يتم سؤال الموظف أو العامل بعد شرح مستفيض عبر تلقي دورة تأهيلية إلزامية متخصصة، سؤاله -كبالغ عاقل راشد- عن قراره في الاستثمار، ما بين ثلاث خيارات رئيسية: استثمار الصقور أو «الحيتان» بمعنى إمكانية الربح السريع والكبير أو العكس، أو التذبذب فيما بينها. أو الخيار الأكثر محافظة، مع عائد مالي ضئيل لكن تراكمي، كما هو حال التقاعد الحكومي «ثْرِفْت» أو ما بين الخيارين، من تدرجات من الأحمر القاني إلى الأخضر -الآمن- المريح!

ولا تقف حرية الاختيار عند ذلك. ثمة خيارات الاقتراض «البنّاء» لغايات الاستثمار، أو البِناء «التعمير» أو الصحة والتعليم، وهو استثمار بالذات. عوضا عن الاستسلام للمرض والمستشفيات والجراحات والأدوية، يختار البعض برنامجا تأهيليا رياضيا غذائيا يشمل حتى البرامج الترويحية بما فيها السياحة والاستجمام، بما يحدث فارقا في نوعية الحياة والصحة.

يتم أيضا تعريف المنتفعين الحاليين والجدد بلائحة الاستثمارات حتى يتم دعمها (دعم خيارات الذات بالاستهلاك) كالفنادق، والمنتجعات، والمشافي، والمولات. فلا يكون أحدهم منظّرا لاذعا في خطاباته عالية الوتيرة والتوتر، من الذين يشترون العقارات ويستجمون خارج البلاد، ويكنزون الأموال بعملة غير أردنية وفي مصارف غير وطنية، سواء داخل المملكة أو خارجها.

الأمن أو التأمين أو الضمان الاجتماعي لا ينبغي أن يكون «تكيّة» وإن كانت أموالها حقا مصانا مستحقا كما الميراث، بل استثمار في الحاضر قبل المستقبل. القرار يبدأ في تلك اللحظة التي يتخذ فيها القرار حول نسبة الاستثمار دون إغفال الحاجة إلى التحقّق من أن المنتفع من «الضمان أو التقاعد» لا يظلم بقراره نفسه أو أسرته. ثمة مسؤولية تضامنية تشاركية من واجب جميع المتأثرين بالقرار المعرفة المسبقة به، فلا يقرر مثلا متصابٍ الزواج في آخر العمر، على حساب من صبرت على فقره، أو يسدد لأبنائه ضربة في الصميم لأمور يقينية، منها حب الأب وتفانيه كراعٍ مؤتمن على الأسرة..

وما الأمن والأمان والرزق إلا بالله سبحانه. اللهم محبة وحكمة وقوة. نعم قوة.. صاحب القرار بحاجة إلى قوة كتلك التي في القرآن الكريم، «إن خير من استأجرت القوي الأمين»..

مواضيع قد تهمك