أطفال مرضى من غزة وذووهم : نـحـــن بـيــــن أهـلـنـا بــالأردن
كـوثـــر صوالحـة
بين بتر الأعضاء والأورام والأمراض المزمنة والتشوهات الخلقية والعمليات المعقدة، يخضع أطفال من غزة وصلوا الأردن ضمن الدفعة السابعة من مبادرة «الممر الطبي الأردني» لتلقي العلاج في المملكة في إطار التويجيهات الملكية لمساندة الأشقاء في القطاع.
وبدورها تستضيف المستشفيات الخاصة الأردنية عددا من أطفال غزة لتلقي العلاج اللازم.
في جولة لـ»الدستور» بالمستشفى التخصصي اختلطت مشاعر الأطفال وذويهم بين الألم والأمل.. ألم كبير بما عايشه الأطفال وأهاليهم من خوف ورعب وألم وقهر وجوع وعطش، تحت آلة الحرب المدمرة، وشعور بالأمان والأمل والنوم دون أصوات الطائرات والصواريخ ورؤية الدم والصراخ.
مشاعر الأمل ظهرت بمجرد وصولهم إلى أرض المملكة، حيث استقبلتهم القوات المسلحة الأردنية بعد معاناة كبيرة حتى وصولهم إلى معبر كرم أبو سالم بسبب التصرفات التي مورست عليهم من قبل قوات الاحتلال وبقيت ذاكرة الأطفال محملة بما شاهدوه في الأشهر الماضية وإلى الآن من عدوان وقصف وجوع وعطش وفراق الأحبة والنزوح من خيمة إلى خيمة ومن منطقة إلى آخرى مضافا إليها عدم وجود العلاج بسبب ما فعلته آلة الحرب في المستشفيات وتدميرها ومنع دخول المساعدات.
أهالي الأطفال أكدوا أن الأمان كان كلمة أو شعورا غريبا منذ أشهر، إلا أنهم عرفوا الأمان بوصولهم إلى الأردن بعد المعاناة الحقيقية في قطاع غزة، وأن اللقاء الحافل في الأردن مسح من الذاكرة ولو قليلا من معاناتهم عندما تجلت الرحمة والإنسانية منذ وصولهم إلى المملكة، معبرين عن مشاعر الفخر والثقة والشكر للأردن ولجلالة الملك على وقوفه الدائم إلى جانب القضية الفلسطينية.
رئيس جمعية المستشفيات الخاصة، الدكتور فوزي الحموري، قال إنه ضمن مبادرة جلالة الملك التي أطلقت في شهر آذار الماضي لاستقبال «2000» طفل من قطاع غزة ومرافقيهم لعلاجهم في المستشفيات الأردنية، تستقبل المستشفيات الخاصة هؤلاء الأطفال وتقدم الرعاية الطبية لهم ضمن أعلى المستويات الطبية.
وأضاف: لا بد أن نشكر كافة المستشفيات التي استقبلت المصابين والمرضى والتي تقدم لهم الإجراءات الطبية اللازمة وتستقبل مرافقيهم وتعالجهم مجانا، موضحا أن عدد الحالات وصل إلى « 112» حالة وعدد المرافقين « 250» مرافقا.
وذكر أن الإصابات خطيرة وكثيرة، من الحالات التي تحتاج إلى عمليات معقدة جدا، ومعظم الإصابات في الدماغ والصدر وبتر الأطراف، إضافة إلى وجود تشوهات خلقية لدى عدد من الأطفال ووجود حالات من الأوروام تم تحويلها إلى مركز الحسين للسرطان.
وأشار إلى أن هناك العديد من الحالات التي أجريت لها عمليات جراحية في قطاع غزة، ولكن للأسف بسبب الوضع الصحي السيئ وغياب المستلزمات الطبية فشلت العمليات، لذلك ستتم إعادتها مرة أخرى.
وقال الحموري إن أسباب فشل العمليات تعود إلى عدم وجود وسائل التعقيم اللازم للمستشفيات وفي غرف العمليات بسبب عدم وجود الكهرباء والماء ووسائل التعقيم، وأن كافة مستشفيات قطاع غزة تعمل بشكل جزئي وتفتقر لكافة المستلزمات الطبية في ظل حصار خانق واستهداف متواصل للمنظومة الطبية، كما أن المستشفيات طالتها آلة الحرب والدمار المستمرة، إلى جانب عدم السماح بدخول الشاحنات والمساعدات الطبية والغذائية اللازمة.
محمد، طفل غزي بترت ساقه بعد تعرضه مكان سكنه لثلاثة صواريخ متتالية، يقول إنه سيتم تركيب طرف اصطناعي له ليعود للحياة من جديد بعد أن كان يسير على عكاز.
والد الطفل محمد قال إن الرحلة بدأت بصعوبة جدا، مؤكدا أن قوات الاحتلال عرقلت مسيرتهم وأن الوصول إلى معبر كرم أبو سالم استغرق ما يفوق ست ساعات.
وأضاف: شعرنا بالأمان عند وصولنا إلى الأردن واستقبال القوات المسلحة الأردنية لنا أفضل استقبال ومن ثم توزيع الحالات على المستشفيات.
وبين أن ابنه أصيب قبل شهرين ولا توجد طريقة من أجل علاجه هناك في ضوء تهالك المنظومة الصحية في غزة حيث إن الاحتلال يستهدفها منذ بداية العدوان على القطاع حتى لا يكون هناك أي أمل لأبناء غزة في العلاج أو الطعام أو الشراب.
وأضاف أن الخدمات الطبية الملكية عجلت في خروج ابنه محمد للضرورة القصوى لوقف أي تأخير في تركيب طرف اصطناعي له، مؤكدا أن الدور الأردني هو الذي يبعث في أنفسهم الراحة والأمل من خلال ما تقدمه المملكة من مساعدات ومستشفيات في غزة.
وعبر عن شعوره بالقول: أنا في الأردن بين أهلي ولم أشعر بأي غربة.. والحفاوة فاقت التصور.
وأشار إلى أن العناية الطبية التي يشهدهها في المستشفى «فوق الممتازة»، من تعامل واهتمام منذ وصولهم، وأن الأطباء قيّموا حالة ابنه ويقومون بمتابعته باستمرار، مؤكدا أنه رأى ضحكة ابنه مجددا بعد أن فقدها جراء القتل والجوع والعطش.
على السرير المقابل لمحمد يجلس رأفت، طفل يعاني من أمراض مزمنة ولم يجد علاجا ويحتاج إلى العديد من العمليات.
وذكر رأفت أنه كان يتمنى أن يأتي إلى الأردن للعلاج، وعندما سمح له بذلك لم يصدق نفسه وحمد الله الذي استجاب دعاءه.
والد رأفت، وليد حمدان، قال إن رحلتهم كانت شاقة جدا منذ خروجهم من غزة حتى وصولهم إلى المملكة واستقبال القوات المسلحة لهم، وأكد «أنسونا همومنا بحفاوة الاستقبال وشعرنا أننا بين أهلنا».
وأشار إلى أن موقف الأردن هو الموقف الثابت الراسخ دائما مع القضية الفلسطينية سواء في المحافل الدولية أو على مستوى المساعدات الطبية والغذائية، وأن مواقف الأردن تتحدث عن نفسها، عندما يرافق جلالة الملك عبدالله الثاني طائرات الإنزال ويقدم المساعدات للغزيين.
وأضاف: رأينا بأم أعيننا الشاحنات الأردنية المتوقفة على الطرقات لتعنت الاحتلال في إيصالها للقطاع لأنه يريد أن يقضي على هذا الشعب.
وثمن حمدان الرعاية المتميزة التي يلقاها في المستشفى والخدمات الفائقة، لافتا إلى أن القائمين على المستشفى أحضروا لهم ملابس وألعابا للأطفال.
وتابع بالقول: «يكفي ابتسامتهم الصادقة الصادرة من القلوب.. ابتسامة محبة ووفاء منقطع النظير».
الطفل وائل ثابت، صاحب الأشهر الأربعة، يرقد على سرير الشفاء بعد كشف إصابته بورم في الغدة النكافية.
والدة وائل تقول: واجهنا مشاكل كثيرة ووصلنا متأخرين بسبب الإعاقة من قوات الاحتلال، ونحن ممتنون جدا للأردن ومساندته لنا منذ بداية الحرب. ومنذ وصولنا نشعر أننا بين أهلنا.
وأضافت: المستشفى بدأ العلاج من خلال عدد كبير من الفحوصات الطبية وأخذ خزعة لتحديد الورم وآلية العلاج، مؤكدة أن خدمات المستشفى والطاقم الطبي على أعلى المستويات.
وعبرت عن شكرها الكبير لجلالة الملك وقالت «هو من يقف معنا منذ بداية الحرب إلى الآن، وهو من أخرج ابني من العذاب، وكل أهل غزة فخورون بمواقف الأردن وجلالة الملك الذي يرسل لنا المساعدات ويتحدث عن فلسطين دائما ويعالج أبناءنا».
ــ الدستور