الأخبار

فارس الحباشنة : لماذا نهاية الإخوان المسلمين حتمية؟

فارس الحباشنة : لماذا نهاية الإخوان المسلمين حتمية؟
أخبارنا :  

في حزيران 2019، طرحت جماعة الإخوان المسلمين «وثيقة سياسية إصلاحية». ويبدو أنها كانت بمثابة حوار إخواني لتجديد أدوار الجماعة، وما يمكن أن تضطلع به، والفرص المتاحة للخروج من مأزق تاريخي للجماعة، منذ تأسيسها عام 1928 في مصر وإنشاء فرعها في الأردن عام 1945. وعكست الوثيقة الإصلاحية عمق الصراع والنزاع داخل الحركة الإسلامية، وثنائية تياري المحافظين والإصلاحيين، كهوية تاريخية مؤسسة للحركة الإسلامية الأردنية، وتقديم أوراق اعتماد جديدة أمام الرأي العام والدولة. الوثيقة حاولت أن تُكيِّف الحركة الإسلامية مع المجتمع، وما يستولد من أسئلة في السياسة والاجتماع والاقتصاد.

وتجنبت الوثيقة الفصل والحسم في العلاقة بين السياسي والديني. وإن اضطُرّ التيار الإصلاحي أن ينزع نحو قاموس سياسي يخالف موروث الجماعة الإسلامية، مثل: الديمقراطية، والتعددية، وحكم القانون، وسلطة الدولة، والمدنية السياسية، وهو خطاب تكييفي مستحدث في تغيير صورة الجماعة.

ولم تُخلِّف الوثيقة أي ثقة أو قناعة سياسية بجدية الحركة الإسلامية في الاندماج في قواعد اللعبة السياسية.

وانطوت الأفكار الإخوانية المطروحة على الالتباس وغموض وتناقض في المرجعيات. وقدمت الوثيقة استعصاءً فكريًا وسياسيًا على تمثيل الإسلام، وحصره في جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة» اليوم، وحزب العمل الإسلامي. وإصرار مرجعي على إقصاء أي تيار سياسي يحمل ويمثل صفة الإسلام والإسلاموية.

ورغم أنه وُلدت من رحم الإخوان المسلمين تيارات وأحزاب وجماعات تسمي نفسها إسلامية، مثل زمزم، والوسط الإسلامي، وجمعية الإخوان المسلمين، والتي أعلنت أول أمس عن حل نفسها.

في أطروحة وثيقة الإخوان، لم تستقم الاعترافات بالتعددية والديمقراطية، ومع أن لحظة مراجعة مركزيات أفكار ومشروع الإخوان المسلمين السياسي كانت تاريخية، وضرورية للتخلي عن خطاب التبرير والتجهيل، وخطاب الطبطبة والاستثناءات، ولا يمكن إنكاره أو تجاهله أو الاستعلاء على الحقيقة التاريخية للدولة والمجتمع، والديمقراطية، والاعتراف بالآخر. كانت الوثيقة، من وجهة نظر قادة ومنظري الإخوان المسلمين، تؤسس إلى علاقة جديدة مع المجتمع والقوى السياسية والدولة. ولكن، في كل الأحوال، أقرب إلى ألغام فكرية وسياسية كامنة في بنية الجماعة ومرجعيات الإسلام السياسي، وانفجرت مع أول اصطدام سياسي في الانتخابات النيابية، وما تلا ذلك من تطورات سياسية أردنية وإقليمية. والصدام كان تعبيرًا عن تناقض وانفصام في أطروحة وثيقة الإخوان. وأولهما، مصادرة الديمقراطية والتعددية لصالح التنظيم السري، والذي تم حله لاحقًا بقرار من الحكومة، لاعتبارها الجماعة تنظيمًا غير شرعي ولا قانوني.

والثاني، محاولة التكييف وركوب موجة الإصلاح السياسي، والاستجابة لخطاب الإصلاح، ودون بيان للحدود الفاصلة بين الدين والسياسة، والمرجعيات المركزية المطلقة لتراث أفكار حسن البنا وسيد قطب حول أسلمة المجتمع والدولة، ونظرة الإخوان إلى السيطرة على الدولة، وتكفير الآخر، ومفهوم الحياة الإسلامية وإحياء مشروعها في المجتمع. من سلسلة تجارب أردنية وعربية، فإن الإخوان المسلمين قوّضوا فكرة الديمقراطية، أو الادعاء بالانتساب الإخواني إلى الديمقراطية. والإخوان، بعدما كسبوا في الانتخابات النيابية الأخيرة حصة وتمثيلًا كبيرًا في البرلمان، إلا أنهم بقوا -بشكل غير مسبوق- محكومين ومسيَّرين وراء التنظيم الإخواني الدولي، وحيث إن الفتاوى السياسية لإخوان الأردن تصدر من الخارج، وتُعمم في سلطة التنظيم الدولي على إخوان الأردن ومقر عمّان.

ومن هذه الزاوية، وقبل غيرها، أصبح إخوان الأردن ينفذون تعليمات وأوامر صادرة عن التنظيم الدولي ومرجعيات إخوانية إقليمية.

وفي الانتخابات النيابية الأخيرة، لم يكن حجم تمثيل الإخوان في البرلمان تعبيرًا عن قوة التنظيم، بقدر ما كان انعكاسًا لضعف وهشاشة الأحزاب المنافسة، وعرف الإخوان كيف يستثمرون في الفراغ السياسي والحزبي، وتمكنوا من حصد عدد كبير من المقاعد تحت القبة.

اليوم، يبدو أن الحركة الإسلامية في الأردن أمام أزمة متفاقمة. وما بعد قرار حظر وحل جماعة الإخوان المسلمين، يبدو أن الرأي العام الأردني ليس أمام خلاف سياسي وفكري، بقدر ما يتسرب من وثائق عن قضايا مالية وتبرعات مالية مصيرها مجهول، وأموال مليونية تُنفق على نشاطات وفعاليات حزبية. وكأننا أمام مشاهد من أفلام المافيا الإيطالية.

الخطئية المالية تطارد الإخوان. ولا أعرف كيف سيواجه قادة الحركة الإسلامية الأخطاء والخطايا المالية، أم أن أموالهم مباركة ومقدسة؟! في الفضيحة المالية الأخيرة، انكشاف إخواني، ويوازي الانكشاف السياسي والفكري للحركة الإسلامية، وازدواجية وانفصام الظروف والمتغيرات.

إخوان الأردن ضحايا لبراغماتية زائدة، وضحايا لتراجع الثقة العامة، وضحايا لشهوة مفطرة إلى السلطة.

نهاية الإخوان المسلمين ذاتية، والإخوان حرقوا أنفسهم والجماعة في نيران صديقة، ولأنه يستحيل موضوعيًّا التوفيق بين الديمقراطية والسمع والطاعة، والتوفيق بين الديمقراطية وأوامر التنظيم الدولي. ــ الدسستور

مواضيع قد تهمك