الأخبار

دراسة: تذبذب منسوب المناعة الوطنية في إسرائيل قبل وبعد الحرب على إيران

دراسة: تذبذب منسوب المناعة الوطنية في إسرائيل قبل وبعد الحرب على إيران
أخبارنا :  

يقول تقرير لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، إن الحرب على غزة وجهّت ضربة للحصانة المعنوية لدى الإسرائيليين، فيما أدت الحرب على إيران لتحسينها.

وبموجب "المعهد” تعني "المناعة الوطنية”: قدرة المنظومات المختلفة على مواجهة تشوّش الحياة الطبيعية الرتيبة نتيجة كارثة طبيعية أو كارثة من صنع الإنسان. أما مكونات المناعة فهي متنوعّة: الثقة بالدولة ومؤسساتها وقياداتها، والتكافل الاجتماعي، والتفاؤل والأمل، والحفاظ على وتيرة الحياة بانتظام خلال الحرب، وهي تدلل على قوة/ عظمة، والأكثر أنها تدّلل على مرونة وقدرة على التكيّف وعلى المواجهة.

وطبقا لهذا التعريف، فإن هذه المواجهة تُمتحن بالقدرة على مواصلة استمرارية نمط الحياة الطبيعية خلال الأزمة، وبالقدرة على الانتعاش والنهوض بسرعة والنمو من جديد. وتشير الدراسة إلى أهمية التوقيت، منوهّة أن الحرب على إيران جاءت وسط تحديات متراكمة خطيرة للمناعة الوطنية الإسرائيلية: جائحة كورونا، وعدم الاستقرار السياسي الداخلي جراء توالي الجولات الانتخابية، والتمزّق الاجتماعي على خلفية الانقلاب القضائي، والسابع من أكتوبر، والحرب المستمرة على عدة جبهات.

وترى الدراسة أن هذه الأحداث المتتالية كلها ضربت بقوة المناعة الوطنية في إسرائيل، علما أن استمرار الحرب الطويلة وعدم عودة كل المخطوفين صعّبا الاستشفاء والنهوض، خاصة أنها تسبّبت وتسبّب تفاقما في الاستقطاب الداخلي.
الثقة بمؤسسات الدولة

وضمن مقاييس منسوب المناعة، تعتمد الدراسة على مقارنة أجوبة الإسرائيليين قبل وبعد الحرب على إيران. وفي هذا السياق، عبّر 21% فقط من اليهود في أيار 2025، عن ثقتهم بالحكومة. وبعد الحرب على إيران، ارتفعت النسبة لـ38%، علما أن النسبة بقيت منخفضة بكل الأحوال. وكذلك الثقة برئيس الحكومة: ارتفعت فقط من 31% إلى 42%، وهكذا بوزير الأمن لدى كل فئات الإسرائيليين.

أما الثقة بالجيش، فهي كما في كل الدراسات والاستطلاعات والأوقات، تبقى عالية باعتباره "قدس الأقداس” بالنسبة للإسرائيليين. وتفيد الدراسة أن الثقة بالجيش ارتفعت من 88% إلى 94%. أما الثقة بقائد الجيش، فهي مرتفعة لكنها أقل مما هي بالجيش نفسه: من 67 % إلى 81%.
التكافل الاجتماعي والتفاؤل والأمل

وتفيد دراسة المعهد بارتفاع الشعور بالتكافل الأهلي (التطوع والمساعدة والتجند) من 30% في مارس/ آذار الماضي إلى 56% خاصة لدى جمهور اليمين الصهيوني، منوهة أن وسائل الإعلام العبرية وحملات "معا ننتصر” قد ساهمت في ذلك.

وحسب الدراسة، يعني التفاؤل: الإيمان بأن العالم يتغيّر للأفضل، والأمل يعني الإيمان بأننا معا نستطيع تحسين أوضاع العالم، وكلاهما مطلوب من أجل مناعة اجتماعية. فهي التي تحرّك الناس للمبادرة والاستشفاء والمواجهة. وهنا بقيت المعطيات على حالها منخفضة. ونحو 40% يتفائلون بالتغيير للأفضل.

وتقول الدراسة إنه خلال وبعد الحرب على إيران، اعتقد 60% من اليهود أن الحرب ستطول من أسبوع حتى شهر، وأن الجبهة الداخلية ستنجح في مواجهة آثارها مما يعكس تفاؤلا أمام عدو خارجي يوحّد الإسرائيليين. وتتابع: "في المقابل، من الصعب التقدير كيف سيؤثر هذا التفاؤل حيال المعركة مع إيران على المناعة الوطنية في المدى البعيد، خاصة أن هناك مؤثرات سلبية ناتجة عن استمرار الأزمات الأخرى. أما وتيرة الحياة الاعتيادية في إسرائيل، فكانت قبل الحرب على إيران مشّوشة ولكنها معقولة”.
نقطة تحوّل: الحرب على إيران

طبقا للدراسة الإسرائيلية، فإن معاينة هذه الأبعاد المذكورة التي تكوّن معا مناعة تدلل على أن الحرب على إيران قد شكلّت نقطة تحول من ناحية المناعة (الحصانة) الوطنية الإسرائيلية فهي نقطة إجماع: 88% من الإسرائيليين أيدوها. وتقول الدراسة إن معظم مكونات المناعة الوطنية قد تحسّن، وهذا من شأنه أن يؤشّر على ارتفاع منسوب المناعة الوطنية. لكن في المقابل، تم رصد ضرر بالغ في مكون استمرارية أو وتيرة الحياة الاعتيادية اليومية.
استمرارية الحياة الاعتيادية

هذا المكوّن بالذات، برأي الدراسة، قد تعرّض لضرر فادح خلال الحرب على إيران في ظل الصواريخ الإيرانية المدمرة ومفاعيلها على الأرض خاصة مصفاة البترول في حيفا ومستشفى سوروكا في بئر السبع ومعهد وايزمان في رحوفوت، وفي ظل تعليمات صارمة للجبهة الداخلية (بقاء الإسرائيليين محبوسين في البيوت والملاجئ) وتوقف مرافق الحياة اليومية.

وتتابع الدراسة في الإشارة لخطورة تشوش روتين الحياة اليومي: "يضاف لذلك، مقتل 29 إسرائيليا وإصابة 3520 آخرين بإصابات خفيفة إلى متوسطة خلال 12 يوما من الحرب على إيران. يضاف لهم 13-19 ألف شخص بقوا دون مأوى، و41 ألف شخص قدمّوا طلبات تعويض.

وتقول الدراسة إن مجمل أرقام القتلى والمصابين جراء المواجهة مع إيران أقل من التوقعات، لكن مشاهد الخراب والدمار غير المسبوقة في المدن الإسرائيلية الكبرى، وهيمنة مشاعر الخوف، كل ذلك أثّر سلبا على معنويات الإسرائيليين. موضحة أن استمرار الحياة الاعتيادية (تضرر جدا) هو الآخر واحد من مكونات المناعة الوطنية، علاوة على تشوّش وتيرة الحياة الرتيبة اليومية، ووقف النشاط الاقتصادي، وهبوط حاد في مرفق المطاعم واللباس والوقود وغيره.
تردي الحالة النفسية

واستمرارا لهذا التشوش، تكشف الدراسة عن تردي الأحوال النفسية، وهو الآخر أحد مكونات المناعة الوطنية، فتشير لارتفاع حاد في طلب المساعدات النفسية خلال الحرب على إيران بنسبة 440%، وارتفاع تناول المسكنات وحبوب النوم وحبوب مضادة للإحباط بعشرات النسب المئوية (حسب معطيات صناديق المرضى) إضافة لارتفاع كبير في فقدان الشعور الشخصي بالأمان: 33% مقابل 20% قبل الحرب (أيار).
توصيتان

يشار إلى أنه في استطلاع آخر للمعهد الإسرائيلي للديموقراطية، جرى في 15-17 حزيران (ذروة الحرب على إيران) قال 70% من الإسرائيليين إنهم قلقون أو قلقون جدا على أمنهم الشخصي هم وعائلاتهم في المستقبل المرئي، وهذا أيضا يدلل على عمق تشوّش وتيرة الحياة الرتيبة يوميا.

ويرى معهد دراسات الأمن القومي في دراسته الجديدة، أن معطيات معظم مكونات المناعة الوطنية تستبطن أملا معينا، خاصة أن هناك توقعات بتحسّن مكون استمرار وتيرة الحياة الاعتيادية اليومية والمحافظة عليها في ظل تراجع حدة المواجهة العسكرية (وقف الحرب مع إيران وبقائها في غزة ومن اليمن فقط).

في المقابل، توضح الدراسة أن المشاكل العميقة التي أدت للمساس بالمناعة الوطنية- الاستقطاب الاجتماعي والحرب المتواصلة الطويلة في غزة، ما زالت هنا، ويبدو أنها ستعود لواجهة المسرح وربما تتصاعد وتتفاقم في ظل أحاديث عن انتخبات مبكرة للكنيست،وتتابع”لم يتم حلّ أي من القضايا الخلافية وهي مجتمعة ستواصل تشكيل تحد للمجتمع الإسرائيلي. ارتفاع التكافل الاجتماعي التي شهدها الإسرائيليون خلال الحرب على إيران مرتبط على ما يبدو بالأساس بـ ظاهرة "التجنّد والالتحام حول العلم” المألوفة في أوقات الحروب الكبرى وهي قد تعززّت في ضوء نجاحات الجيش الإسرائيلي في إيران. ولذلك في المقابل هناك خوف من أن العودة لـ خطاب الاستقطاب السياسي مع انتهاء الحرب على إيران(النقاش حول الحرب والصفقة وحول الانقلاب على النظام ومحكمة نتنياهو الخ) سيؤدي لـ هبوط مكوّنات المناعة الوطنية كما كان قبل الحرب على إيران”.
أهمية المناعة الوطنية

وتؤكد الدراسة على حيوية المناعة الوطنية من أجل استشفاء ونهوض المجتمع الإسرائيلي من الأزمة الراهنة التي بدأت قبل السابع من أكتوبر. وتقدم الدراسة توصية بالقول إنه يجب الحفاظ على المناعة الوطنية من خلال تعزيز التوجهات الإيجابية والتصدي للجهات المؤثرة سلبا خاصة الاستقطاب الاجتماعي العميق (لغة الكراهية والتفرقة والتراشق الفئوي والشخصي والحزبي”. كما تقدّم توصية أخرى: في هذا السياق هناك أهمية خاصة لإنهاء الحرب على غزة على غرار وقف الحرب مع حزب الله، مما أتاح عودة المواطنين المهجّرين في الجليل واستعادة المخطوفين لأن استمرار أسرهم في غزة يضرب المناعة الوطنية. ــ القدس العربي

مواضيع قد تهمك