القس سامر عازر يكتب : هل سعادتنا بيد الناس أم بيد الله؟
القس سامر عازر
في عالمٍ يلهث فيه الإنسان خلف السراب، باحثًا عن القبول والتقدير والسعادة، تبرز أمامنا مفترقات طرق روحية ونفسية عميقة، وتساؤلات وجودية لا مفرّ منها. ومن بين هذه الأسئلة الجوهرية: هل سعادتنا بيد الناس أم بيد الله؟
كثيرًا ما نربط فرحنا الداخلي بكلمات الناس، بمديحهم أو رفضهم، بحضورهم أو غيابهم، بقبولهم لنا أو تجاهلهم لنا. وعندما تتعثر هذه العلاقات، أو تتلاشى، نشعر بأننا فقدنا شيئًا من ذواتنا، بل من سعادتنا. نبدو وكأننا علّقنا نفوسنا على الآخرين، وسلّمناهم مفاتيح قلوبنا.
لكنّ الحقّ الإلهي يوجّهنا إلى مسار آخر أعمق وأصدق: الفرح الذي لا يُنتزع لا يُعطى من الناس، بل يُغرس فينا من الله، فالله وحده يعرف أعماقنا، ويصون قلوبنا، ويفهم احتياجاتنا الخفية، ويعتني بنا بحسب مقاصده الصالحة التي تفوق فهمنا. فهو ليس فقط مصدر الفرح، بل ضامنه، ومَن يصونه من التقلّبات.
عندما نبني سعادتنا على الآخرين، نبنيها على ما لا يمكننا السيطرة عليه. لكن حين نضعها في يدي الله، نُسلمها لإله يعرفنا ويحبنا ويقود حياتنا برحمة وأمانة. إنه الإله الذي قال عنه النبي إسعياء: "رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي" (إش 10:46). ومتى آمنا أن لله مقاصد صالحة، حتى في ما لا نفهمه، نستطيع أن نستريح فيه، وأن نفرح، حتى وسط الألم.
السيد المسيح لم يَعِدنا بسعادة عابرة، بل بفرح حقيقي يدوم: "كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم" (يوحنا ١٥: ١١). وهذا الفرح لا يُبنى على الظروف، بل على الثبات فيه وفي وتعاليمه السماوية، وعلى الثقة أن حياتنا ليست لعبة في يد الناس، بل عمل فني في يد الخزّاف الإلهي، الذي يشكّلنا بحسب نعمته.
نحن لا نُدعى لرفض محبة الناس أو صداقاتهم، بل أن نحرّر قلوبنا من الاتكال الخاطئ. فحين يكون الله هو مصدر سعادتنا، نستطيع أن نحب الآخرين بحرية، دون قيد أو خوف. نصير أكثر عطاء، أكثر غفرانًا، أكثر ثقة بأن الرب ضابط الكل، يرعى تفاصيلنا بيده.
فلنُعِد النظر في مصدر فرحنا، ولنرجع إلى منبع الحياة. ولنسأل أنفسنا بصدق:
هل جعلنا سعادتنا في أيدي من لا يملكون أنفسهم؟
أم في يد الإله الذي أحبّنا منذ البدء، والذي لا يخطئ في قيادة حياتنا؟ "فرحي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا" (يوحنا ١٤: ٢٧).