الأخبار

اسماعيل الشريف : صفقات غزة

اسماعيل الشريف : صفقات غزة
أخبارنا :  

سنتولى السيطرة على قطاع غزة. سنمتلكه ونكون مسؤولين عن إزالة جميع القنابل غير المنفجرة والأسلحة الأخرى في الموقع – ترامب.

من بين ما نصّت عليه اتفاقية أوسلو عام 1993، منح الفلسطينيين حقّ السيادة على مياههم الإقليمية قبالة سواحل غزة، وفقًا لما يقرّه القانون الدولي.

وعلى بُعد 22 كيلومترًا من تلك السواحل، تم اكتشاف حقل ضخم من الغاز، يُقدَّر احتياطيه بما لا يقل عن 22 تريليون متر مكعب. بدأت شركة «بريتيش بتروليوم» أعمال الحفر بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وتحدثت التقارير آنذاك عن قرب بدء الإنتاج. غير أن صعود حركة حماس إلى السلطة في غزة عام 2007، إثر الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أدى إلى توقّف العمليات. وبسبب ذلك، باعت الشركة عقدها إلى «شل» عام 2016 مقابل 59 مليون دولار، تعويضًا لخسائرها الناتجة عن التجميد.

رغم محاولات شركة شل استئناف الحفر،إلا انها قوبلت برفض صهيوني قاطع. غير أن ضغوطًا مارسها الرئيس الأميركي السابق بايدن على نتن ياهو عام 2023 أدت إلى الموافقة على استئناف العمليات، تزامنًا مع إقامة الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في غلاف غزة، على مقربة من الحقل الغازي.

لكنّ طوفان الأقصى أطاح بتلك الخطط، فتوقفت أعمال الحفر مجددًا. واعتبر كثير من المحللين أن أحد دوافع الإبادة الجماعية الجارية في غزة هو سعي الكيان للسيطرة على ذلك الحقل الثمين.

وما لبث أن ظهر منافس جديد للصهاينة: الولايات المتحدة، التي وضعت عينها هي الأخرى على الحقل. وتحت غطاء إنساني، أقامت ميناءً عائمًا على شواطئ غزة، بحجة إدخال المساعدات. لكنّ الحقيقة كانت مختلفة: فقد كان الميناء مركزًا لدعم عمليات التنقيب ونهب الغاز، تحرسه القوات الأميركية. ومع ذلك، فشل المشروع، إذ لم يصمد الميناء أمام أمواج بحر غزة.

وفي خضم المجازر والدمار، طُويت قصة الحقل من الذاكرة، حتى أعاد ترامب فتحها من جديد في فبراير من هذا العام، بإعلانه خطة للسيطرة على غزة. تضمنت الخطة إعادة توطين سكان القطاع وتحويله إلى مشروع عقاري ضخم يُعرف باسم «ريفيرا الشرق الأوسط». إلا أن المشروع قوبل برفض قاطع من الأردن ومصر، لتعود الحرب مجددًا، بهدف إبادة من تبقّى من الفلسطينيين وتهجيرهم. وبات مجرم الحرب نتن ياهو وزبانيته يروّجون للإبادة باعتبارها تنفيذًا لخطة ترامب.

منذ اليوم الأول، شدّد ترامب على أهمية الغاز قبالة سواحل غزة، وأكد أنه جزء من صفقة اقتصادية تعزّز الهيمنة الأميركية في قطاع الطاقة. فالحقل، وفقًا له، سيعالج أزمة أوروبا الناتجة عن قطع إمدادات الغاز الروسي، وسيوسّع النفوذ الأميركي في القارة.

ولا يساورني شك في أن الولايات المتحدة تجني أرباحًا طائلة من الحروب. فقد رأيناها تحتل العراق وتستولي على آبار النفط، دون أن تظهر عائداتها في ميزانيات الدولة العراقية لسنوات. ونرى ذلك جليًّا في اتفاقية المعادن النادرة مع أوكرانيا، التي تبلغ قيمتها نحو تريليون دولار، بينما لم تتجاوز المبالغ التي دفعتها واشنطن 175 مليارًا.

ولا تختلف غزة كثيرًا عن غرينلاند التي تطمع بها واشنطن أيضًا؛ فكلا المنطقتين تتمتعان بموقع استراتيجي وثروات طبيعية هائلة.

ما يعزّز هذه الفرضية هو استخدام الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، حق النقض (الفيتو) لإفشال مشروع وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة. ويمكن فهم كثير من التحوّلات في المنطقة في هذا السياق، منها احتمال مقايضة روسيا بالخروج من سوريا مقابل الحصول على أراضٍ في أوكرانيا، ورفع العقوبات عن سوريا، وغضب ترامب من نتن ياهو، وتجاهله لمصر، وتبدّل التحالفات الأميركية في المنطقة، ودعم بعض الدول لحركة حماس، تأثرًا بالمصالح التي يرتبط بها هذا الحقل الغازي الاستراتيجي.

قد تكون هناك صفقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، يُطلق فيها الكيان يد القتل في غزة، بالقنابل والجوع، ويمنح المستوطنين حرية العبث في الضفة الغربية والمسجد الأقصى، مقابل منح الولايات المتحدة حق الاستفادة من غاز غزة. وبهذا، تضمن واشنطن عائدات مالية تفوق أضعاف ما أنفقته في حرب الإبادة، بينما يحقّق الكيان مكاسب تتمثّل في قتل الفلسطينيين، وضم الضفة، وتنفيذ بقية مخططاته الاستعمارية. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك