أ. د. صلاح العبادي : الطريق إلى الموت!

في مشهد يعكس القسوة المطلقة تتوالى مشاهد
الموت والجوع في غزّة؛ بعد أن تحولت نقاط توزيع المساعدات إلى أفخاخٍ
دمويّة، واعتلت أصوات المنظّمات والهيئات الدوليّة والحقوقيّة؛ محذّرة من
كارثة إنسانيّة غير مسبوقة في التاريخ البشري.
وغدا التجويع الممنهج في غزّة سلاحاً بيد إسرائيل، بينما ينتظر آلاف الأطفال مصيراً قاتماً في قطاعٍ محاصر تتآكل فيه الحياة.
آلية
توزيع المساعدات الأميركية الإسرائيليّة في القطاع كشفت عن ما تحمله غزّة
من أزمة ودمار شامل في كل مناحي الحياة؛ لتكون المحصّلة لا حياة، ومعها
تتفاقم الفوضى الأمنيّة في القطاع يوماً بعد آخر، وذلك في وقت تفقد فيه
حركة حماس سيطرتها على الأرض، وسط تصاعد الصخت.
فطريقة التوزيع تخدم
أهداف إسرائيل، في وقت تسود فيه تحذيرات من قبل برنامج الغذاء العالمي
بأنّ جميع سكان القطاع يعانون سوء تغذيّة وأربعمئة وسبعون ألفاً يواجهون
الجوع.
فإلى أي مدى تتحمل حركة حماس مسؤوليّة ما يحدث في غزّة من إضاعة فرصة جديدة للتهدئة؟!
الأمين
العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عبّر عن صدمته تجاه تقارير تحدثت عن
استشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين أثناء سعيهم للحصول على مساعدات في غزّة.
غوتيريس دعا إلى إجراء تحقيق مستقلٍ في الحادث، وقال بأنّه من غير المقبول أن يخاطر الفلسطينيون بحياتهم من أجل الغذاء !
إسرائيل تستخدم المساعدات الإنسانيّة الشحيحة؛ للتضييق الجغرافي على الفلسطينيين ودفعهم للخروج من القطاع.
صحيفة
فاينانشال تايمز نشرت تقريراً مدعوماً بصور أقمار اصطناعيّة كشف بأنّ أكثر
من أربعة أخماس القطاع أدرجت ضمن مناطق عسكريّة أو أخليت قسراً؛ ما دفع
الفلسطينيين التجمع ضمن مناطق صغيرة أو جيوب صغيرة ومكتظة.
هذهِ
التحركات تأتي ضمن خطّة إسرائيليّة توسعت مؤخراً نحو الجنوب؛ حيث أُنشيء
ممر مراغ حيث توزع من خلاله المساعدات الإنسانيّة بإشراف مباشر من الجيش
الإسرائيلي، غير أنّ هذه المساعدات بحسب منظمات إنسانيّة تحولت إلى مصائد
جوعاً ترغم السكان على التحرك جنوباً تحت خطر الموت نحو مناطق قاحلة بلا
مقومات حياة أو خدمات !.
هذهِ التقارير تؤكد تحوّل مواقع توزيع
المساعدات الإنسانيّة التي تديرها مؤسسة غزّة الإنسانيّة المدعومة من
الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل إلى ساحة للقصف الذي ذهب ضحيته في أقل
من ٢٤ ساعة العشرات بين شهيدٍ وجريح.
من يتحمل كل مسؤولية هذه الفوضى الأمنيّة حماس أم إسرائيل؟
إيال
زامير رئيس أركان الجيش الإسرائيلي كان قد أمر بتوسع الهجوم البري في قطاع
غزّة ليشمل مناطق إضافية، مؤكداً خلال زيارته للقوات في جنوب القطاع بأنّ
العملية مستمرة بلا هوادة حتى عودة جميع الرهائن والقضاء على حماس. في وقت
شدد وزير الدفاع الإسرائيلي هو الآخر على استمرار العمليات بغض النظر أي
مفاوضات !.
حماس من جهتها أبدت استعدادها البدء بجولة مفاوضات غير
مباشرة، للتوصل إلى اتفاق حول نقاط الخلاف في اتفاق وقف إطلاق النار في
قطاع غزّة، والذي اقترحه مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط
ستيف ويتكوف؛ لكنّ صحيفة تايمز أوف إسرائيل نقلاً عن مصدر مطلع على
المفاوضات قوله إنّ ردّ حماس على مقترح ويتكوف تضمن مطلباً يصعب على
إسرائيل إستئناف القتال.
قطر ومصر أعلنتا عزمهما تكثيف جهود التوصل إلى هدنة في ظل تعثر المباحثات ما بين إسرائيل وحركة حماس.
في بيان مشترك أكّدت الدوحة والقاهرة وبالتنسيق مع الولايات المتحدة عزمهما تذليل العقبات التي تشهدها هذهِ المفاوضات.
إسرائيل
اليوم تستخدم المساعدات كأداة ضغط لدفع الفلسطينيين لمغادرة القطاع، وهو
ما يتضح من خلال المؤشرات الميدانية على ذلك؛ إذ أصبحت هذهِ المناطق
وكأنّها الطريق إلى الموت للحصول على رغيف الخبز المغمسِ بالدم!.
فلا
يوجد أمان للوصول إلى مناطق توزيع المساعدات الغذائية رغم بعدها، وحتى إذا
وصلوا إليها يتم مباغتتهم بإطلاق نارٍ من قبل الجيش الإسرائيلي دون سابق
إنذار !.
كما أنّ المساعدات التي توزع على السكان لا تفي عائلة
واحدة لعدّة ساعات، وهو ما يجعل القطاع أمام مشهدٍ غير إنساني يخالف كل
القوانين الدوليّة.
ما يحدث في آلية عملية توزيع المساعدات غدت تفرض
خرائط جغرافية بعينها، وهو ما يتضح من خلال النقاط التي تتوزع فيها مراكز
التوزيع التي حدّدها الجيش الإسرائيلي.
كما أنّ السكّان يضطرون
للحصول على شيء يسير من المساعدات المسير على أقدامهم إلى عدة كيلو مترات،
وسط طرق محفوفة بمخاطر الموت، وهي مساعدات لا توفر لهم متطلباتهم من القيمة
الغذائية!.
فآلية توزيع المساعدات تخدم أجندة جغرافيّة بعينها عبر
سلاح المساعدات، من خلال حصر الغزيين في منطقة محدودة للغاية في الجنوب،
بالقرب من خان يونس والحدود مع رفح.
إسرائيل تنتهك القوانين
الدوليّة وتسعى لحشر سكان قطاع غزّة في منطقة جغرافيّة، تمهيداً لمرحلة
أخرى على تعتمد على منطلق التهجير للسكّان، بينما تبقى خيارات حماس ضمان
سياق المساعدات وحتى المفاوضات بأسرها تعتمد على جهود الوسطاء في الدوحة
والقاهرة وبمشاركة واشنطن.
إسرائيل تسعى لفرض أي منجزٍ عسكري على
الأرض، لفرض شروطها في المفاوضات؛ رغم عدم وجود ما يضمن وقف جنون هذهِ
الحرب حتى وإن تَخلت حماس عن سلاحها.
الجهود المصريّة القطريّة
المكثفة تحاول إحداث إختراقٍ ومقاربة في المفاوضات؛ وتعديل مقترح ويتكوف
للتوصل إلى هدنة واتفاق وقف إطلاق نار دائم لوقف «عربات جدعون»، ووقف
القتال والفتك والإبادة الجماعيّة التي تستهدف الفلسطينيين، في وقت تودع
غزّة يومياً عشرات الشهداء ومئات الجرحى.
"الرأي"