الأخبار

د. مهند مبيضين : الجمهور والسياسة في منتدى شومان

د. مهند مبيضين : الجمهور والسياسة في منتدى شومان
أخبارنا :  

استضاف منتدى مؤسسة عبد الحميد شومان في برنامجه الدوري المفكر العربي السعودي يوسف مكي، بحوارية بعنوان :»انكفاء المشروع القومي العربي» وهو عنوان لم يعجب الكثير، ممكن كرروا ذات الملاحظة، ودافعوا عن حاضرية المشروع القومي وعدم انكفائه، والملاحظ أن جزءًا كبيرًا من الجمهور دافع عن القومية أكثر من المحاضر الذي ربما لا يعرف الكثيرون أنه من رموز الفكر القومي وشغل موقع نائب رئيس المؤتمر القومي العربي، وهو مواظب على فاعليته كمفكر صافٍ في عروبته وصادق بدعوته للمراجعة النقدية، وتجديد العروبة، وحدّثَنا في البداية بأن بلاد الشام بمفهومها التاريخي هي الطريق والبداية في أي فعل استعادي للعروبة الجديدة، التي قال عنها بمقال له عام 2011 أن من مشاكلها النظرة السلبية للدولة الوطنية، التي اعتبرها الجمهور أبلغ تحدٍ للوحدة، طبعاً لا يُمكن فَهم ذلك، بعد فشل كل التجارب الوحدوية التي عددها الضيف، ولم يبق صامداً منها إلّا الدولة الوطنية التي بعضها اليوم مهدد بالانقسام والتذرر.
مشكلة الجمهور أنه لم يحاور الرجل في فكره، بل عاد للدفاع عن مصطلح الانكفاء، وكال التهم للغرب بمؤامراته على العرب، وراح البعض يعيد جذر ذلك لأزمنة سحيقة قبل كامبل بنرمان ومؤتمره، أو وثيقته الغير موجوده أصلاً، دون إنكار لواقعة المؤتمر الذي يُقال أنه أقرها بين عامي 1905- 1907، وليس الهدف هنا إعادة ما قاله الجمهور الذي لم يَقرّ بعد بالهزيمة ولا يُريد الاعتراف بها، برغم كل ما حصل من نكبة ونكسة ثم مغامرات عبد الناصر قبلها وبعدها، وفشل وحدته، وهنا يُقدس الجمهور وحدة سورية ومصر ولا يرون أن وحدة العراق والأردن المزامنة لدولة الوحدة، دمرتها النزعة العسكرية باسم القومية، والانبهار بالناصرية، ثمّ ما نتج عن أحداث أيلول المتطرفة باسم التحرير والدعوة لإسقاط بلد عربي بحجة تحرير فلسطين، ثمّ احتلال بيروت 1982 وما عانته من ذلك الحدث حتى اليوم، ثم حروب الخليج باسم القومية ضد المشروع الفارسي، وأخيراً احتلال العراق 2004 بفعل خارجي، وبعده الربيع العربي، الذي مع الإقرار بأن الفاعل الغربي أساسي به لتمزيق المنطقة، لكن يتناسى الكثيرون أن ما قبل الربيع العربي في بلدان مثل سورية والعراق وليبيا كان هناك استبداد وقتل وتقويض لمقدرات الدول، وإن كانت تلك الأنظمة حافظت على وحدتها، لكنها أغرقتها بالظلم وخدمة الأعمال الكاملة للسيد الرئيس.
لا تبرير لما حدث بالربيع العربي أبداً، فهو نكسة كبيرة، لكن لا يعني أنّ ما قبله عدل وحرية، ولا مقاومته كانت أفضل من البؤس الذي سبقه، فقد احتلت ايران وشريكتها روسيا سورية، ولا أمريكا ستكون أرحم من غيرها، وإسرائيل في أسعد أيامها، مع ذوبان الأنظمة التي عاشت على مقولة الممانعة، وانفردت إيران باليمن ولبنان وتحطم قطارها بعد تحطيمها تلك البلدان، والأهم مرة أخرى ان طروحات ضيف شومان لم تلقَ حواراً ومساءلة، مع أن الضيف دعا لمراجعة عروبية شاملة، ووحدة على أساس الاقتصاد والأولويات وقدم نماذج غربية؟
البعض من الجمهور يأتي غاضباً وبذهنه أسئلة مسبقة، وأحكام وفرضيات يريد اسقاطها، والبعض يمارس رياضة بلاغية، واتهاماً لدول عربية، وهذا أمر مُفجع بسبب هشاشة الوعي بالراهن، وبمنطق الحِجاج. وهو أمر ليس بجديد على الجمهور واحياناً أطراف الحوار على المنصة.
عام 1998 استضاف منتدى شومان المفكر العربي محمد عابد الجابري، فعجم المنتدى أعواده بمحاورين اكاديميين شَغَلا مواقع علميّة جامعية متقدمة، أحدهم طَلبَ مِنّي تحضير نقاط للحوار مع الضيف، وقَدَمتُ له مقترحاً، يتضمن مراجعة دقيقة لطروحات الجابري في كل ما كَتَبه بخصوص العقل العربي ومشروع النهضة، وكذلك عن تحولات وتجربته السياسية، لكن المحاور الذي طلب عوني لم يستخدم شيئاً مما قدمته، والمحاوران راحا يتحدثا عن فضائل الجابري وكتبه، وكانت حوارية مملة وفاقدة لشرطها، لكنها لم تمر على الجابري ولم يُفَوّتها والذي قال في مطلع رَده: كنت أظن أني جِئت لحوارية نقدية لمشروعي، وللأسف المحاوران خاطباني بضمير الغائب؟؟
للأسف الجمهور يأتي بأحمال متعددة، والبعض كأنه يريد حصة في البلاغة، أو الإساءة لبلد معين، والبعض ثاوٍ في الماضي، وما زال يردد شعارات الشقيري عن قمة الخرطوم، وهذا وعي زائف يُصدق بأن بلاغة الشقيري هي خلاصة قمة الخرطوم التي اعتذر فيها عبدالناصر للملك حسين؛ لأنه لم يأخذ تحذيرات الملك على محمل الجد من هجوم اسرائيلي متوقع قبيل النكسة بأسبوع، ونفسه أي عبدالناصر قال للحسين في القمة: اذهب وفاوض لأنك خسرت نصف شعبك وارضك، لكن كل ذلك الحديث لم يخرج للجمهور، وبقيت خطبة الشقيري في الصورة والوعي.
والمشكلة أننا غارقون في الرمزية وعدم الاعتراف بالهزائم، والاعتراف عند الأمم الحية هو أول الطريق للعلاج والخروج من الهزائم.
أخيراً، مشكلة الجمهور عامة في كل المنتديات بالأردن وكذلك العربية، الحجج والنقد الحقيقي غائبان، والنفاق والمديح وطغيان الثقافة الاحتفائية هو السائد.
في المقابل نجد نكراناً لما أنجزت الدولة الوطنية من تعليم وخدمات ووعي، مع انها هذه الدولة والمنطقة العربية كما قال الصديق سعود قبيلات يجب ان ننسى أنه قُدر لها أن تكون في منطقة الصراع والنفوذ بين معسكرين عالميين. وهي ملاحظة غاية بالأهمية، ولا يمكن قراءة التجربة الوحدوية وانكفائها دون الأخذ بهذه الظرفية الصعبة. ــ الدستور

مواضيع قد تهمك