الأخبار

ابراهيم عبد المجيد القيسي : أعياد ودماء وخبز

ابراهيم عبد المجيد القيسي : أعياد ودماء وخبز
أخبارنا :  

أعاده الله علينا وعلى الأمتين والعالم بالخير والبركة، آمين.. دعاء نقوله بكل الصيغ الممكنة، وهي أمنية، فالشخص الطبيعي من أية ملة أو على أي دين كان، يتمنى الخير لنفسه وللدنيا من حوله..
لكن هل حقا يشعر بالسعادة والاستقرار، والرضى عن نفسه؟ أعني أي شخص طبيعي وعنده ضمير، حول العالم، هل يشعر بسعادة على الصعيد الشخصي، ويشعر بالرضى النفسي، وهو يسمع ويعلم ويشاهد المأساة البشرية، او أي شكل من أشكالها؟!..
يمكنني ان أجيب عن الجميع، أعني الأشخاص وليس الدول والجهات والقوى، أستطيع أن أجيب مندوبا عن أي إنسان طبيعي، بأنه لا يشعر بالسعادة، ولا بالاستقرار النفسي، ويؤنبه ضميره، بسبب ما يجري في فلسطين، وفي غزة المعذّبة وعلى رؤوس الأشهاد.
لا يمكن حصر صور وفصول المأساة الإنسانية، ومأزقها في غزة، فكل أنواع العذاب والتنكيل بالبشر، تحدث هناك، وأصبح خبر إبادة الأبرياء، الظامئين الجياع العراة المرضى المنكوبين، الهاربين من التعذيب.. أصبح خبرا مألوفا في عالمنا البشع، وكلما شاهدنا او سمعنا او تم إخبارنا على ألسنة الناس، عن صور الموت والتعذيب التي تحدث هناك، كلما أبيدت فينا المشاعر، فكيف يحتمل الشخص الطبيعي معرفة كل هذا التوحش، ثم تستمر حياته ونفسيته وقناعاته.. طبيعية؟!.
كلنا نؤمن ان الأعياد مناسبات أغلبها عقائدية، توارثها الناس، وأصبحت مواسم وضروبا من طقوسيات، ينتهزها الأطفال لاقتناص حالة من سعادة، لكن كل الكبار يتألمون، فهم ينظرون لأطفالهم ويتذكرون تلك الوجوه المعذبة لمن بقي وسلم من أطفال غزة، ووجوه وأشلاء من ماتوا أو أصيبوا، او يطويهم الخوف والجوع والعطش والحرمان، وفقدان الأمل بمجرد العيش للحظة التالية.. فالموت البشع يسكن الزمان والمكان والسماء والأرض والهواء.. حتى لقمة الخبز المغموسة بمذلة الإنسانية كلها، أصبحت فخا للموت الغادر البشع.
أمس قرأت خبرا بأن رب عاىلة مات تاركا خلفه عائلة تشبهه في جوعه، بعد ان تم قتله وهو ينتظر لقمة الخبز التي يقدمها القتلة السجانون في لعبة موت محتوم.. فهل يشعر براحة ضمير من يسمع مثل هكذا مواقف وأخبار، ومتأكد بأنها تجري مستمرة فوق تراب غزة وتحت سمائها ويشاهدها الناس متقولة على الهواء والفضاء والماء والسماء والذكاء والغباء... وحتى أصعب غصة في همزية الفناء البشري.
حتى دعاؤنا لهؤلاء البشر او دعاؤنا على قاتليهم، أصبح متكلفا بالنسبة لضمير معذّب وغير مستقر.
نسأل الله أولاً أن يرحم البشر المظلومين في غزة وغيرها، وأن يعينهم على هذا التوحش، ويعوضهم صبرا وخيرا وحرية وكرامة فوق كرامتهم وحريتهم وصبرهم، وأن يحمد الله كل من لا يعيش حياتهم وظروفهم ومأساتهم..
لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلا أحد ينقذ البشر وضمائرنا سواه.

مواضيع قد تهمك