الأخبار

بشار جرار : عين ماسك وعونه

بشار جرار : عين ماسك وعونه
أخبارنا :  

جميلة «صاحبة الجلالة» «السلطة الرابعة» الصحافة عندما تكون ودودة ومرهفة الحس! من نبرة السؤال يبدي أحيانا الصحفيون غايتهم من السؤال، عندما يكون المراد تلطيف الأجواء أو رفع الحرج أو العتب. هكذا كان سؤال الاطمئنان على عين ماسك اليمنى وقد بدت عليها علامات ارتضاض جراء سقطة أو ضربة. بضربة معلّم، بصرف النظر عن صحة الإجابة أو دقتها، سارع إيلون ماسك الجمعة في آخر يوم له كموظف متعاقد على نحو مؤقت مع إدارة الرئيس دونالد ترمب، سارع للقول إن القصة وما فيها أنه طلب من صغيره «اللي على الحِجْر» البالغ من العمر -الحافظ الله- خمس سنوات، طلب من ابنه إكس تسديد لكمة له في الوجه، فما كان إلا أن أجابه وبعينه! «ضرب الحبيب زبيب»ّ! و»حسنٌ في كل عين من تودّ»! ضحك ماسك وترمب والصحافة من الحضور المحظيين بدخول المكتب البيضاوي في البيت الأبيض و»يا دار ما دخلك شر»!
القصة ليست عين ماسك بل عونه.. بتقديره، ما تم توفيره في أربعة أشهر مئة وستين مليار دولار، وما حققه قسم الكفاءة الحكومية المعروف اختصارا ب «دووج» ما زال في البداية.. صحيح أن الثمن الإنساني الاجتماعي باهظ، وهو تسريح ربع مليون موظف من القطاع الحكومي أو بالأصح العمومي، إلا أن عون ماسك في حقيقته غوث وإنقاذ.. مهمة ماسك التي صارت مهمة كل أعضاء إدارة ولاية ترمب الثانية، هي مكافحة الفساد والهدر ورفع الكفاءة الحكومية بحسب وزير الخزانة (المالية) سكوت بيسنت. المديونية شارفت على السبعة والثلاثين تريليون دولار وقد كانت يوم التنصيب الذي وصفه ترمب بيوم الاستقلال وبدء العصر الذهبي لأمريكا، كانت عند الرقم ستة وثلاثين تريليون دولار، وما الفارق إلا فوائد وديون مضافة يستسهلها بعض ممثلي الأمة الأمريكية من الحزبين الجمهوري والديموقراطي ولذلك واجه مشروع قانون ترمب الذي وصفه بالكبير والجميل معارضة من المحافظين ماليا الذين يصوتون دائما ضد أي مشروع قانون يزيد المديونية داخلية كانت أم خارجية..
ذاكرة الناس واهتماماتهم للأسف موضع تلاعب وسائل الترفيه والثقافة والإعلان والإعلام ومنذ عقود. فثمة من حاول تشتيت الانتباه وحرف الاهتمام عن القضايا الجوهرية وأسرف في الضخ الإعلامي والإعلاني لتصوير ماسك وكأنه يلاحق أرزاق الناس. وما أسهل القابعين خلف التراث والموروث الروحي والإنساني والوطني للقول مثلا بأن «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق». طبعا لا غبار على هذه المقولة، إن كان في الأمر ظلم أو كراهية أو تمييز أو محاباة أو فساد من أي نوع كان.
لكن استمرار الأحوال على ماهي عليه تعني ليس فقط التضخم والبطالة أو ما هو أسوء من المشكلتين، الترهل والفساد الإداري والمالي. بل تعني خسارة الاستقلال الحقيقي وبالتالي ضياع الهوية والبلاد، لأن الفقر والفاقة والإحساس بالمظلومية وإن كان غير مبرر أو مبالغ به أو مُتوهَّم أو مزعوم في بعض الأحيان، إلا أنه يفشي العداوة والبغضاء بين الناس. وغاية أي حكومة، أي نظام حكم وأي بلاد في العالم هي البقاء والنماء، الصلاح والفلاح، وتلك مصلحة فردية في الصميم قبل أن تكون جماعية.
للتراجع في الأداء الوطني عموما والإفلاس المالي والكساد الاقتصادي أضرار جمة. منها التشجيع على خوض الحروب والصراعات العنيفة فيما يعرف بالهروب إلى الأمام والقفز إلى المجهول، على أمل سرقة واستغلال ثروات الآخرين، أو قمع فئات أو شرائح معينة في المجتمع. هذا فضلا عما هو أكثر خطورة، ألا وهو فساد المنظومة القِيَمية لدى الفرد والجماعة بمعنى الأسرة والحي والمجتمع والمؤسسة، أيا كانت مدنية أم عسكرية، أهلية أم رسمية.
وعليه، فإن قطع حبائل الهدر والفساد، إنما هو كمبضع الجرّاح الذي يستأصل ورما سرطانيا. وكلما كان التدخل أسرع والاستئصال اجتثاثيا لا تجميليا ولا ترقيعيا، كان التعافي التام والعاجل أقرب إلى استجابة دعاء الصالحين بأنْ اللهم محبة وحكمة وقوة. وسلامة عين ماسك وربنا يطعمه برّ ولده الحبيب إكس، كما كان بارا بأمه ماي هالدمان كندية الأصل خبيرة التغذية التي تحمل إضافة إلى الجنسية الكندية، الجنوب إفريقية والأمريكية.
ترمب سلّم ماسك تقديرا لوطنيته وخدماته المجانية التي كلفته خسائر بالمليارات رافقتها أعمال عنف وتهديد بالقتل، سلّم إيلون الذي سيبقى «صديقا ومستشارا»، سلّمه مفتاحا ذهبيا للبيت الأبيض..

مواضيع قد تهمك