الأخبار

عاطف أبوحجر يكتب : (شعلة تضيء قلب الأمة)

عاطف أبوحجر يكتب : (شعلة تضيء قلب الأمة)
أخبارنا :  

بقلم:- عاطف أبوحجر -

في قلب الأردن النابض بالحضارة، وعلى مدرجات مدينة جرش الأثرية، يُكتب كل عام فصل جديد من فصول الإبداع العربي والعالمي، حيث يجتمع الفن، والثقافة، والتاريخ، تحت سماء واحدة في مهرجان جرش للثقافة والفنون. منذ انطلاقته الأولى عام 1981، لم يكن المهرجان مجرّد تظاهرة فنية فحسب، بل تحوّل إلى رسالة حضارية تعبّر عن وجه الأردن المشرق، وتُثبت أن هذا الوطن، رغم ما يحيط به من حرائق السياسة وأوجاع الجغرافيا، قادر على أن يُطلق أغنية فرح، وقصيدة أمل، ومشهدية مسرحية تتحدى الواقع وتعيد تشكيله.

منذ بداياته، شكّل مهرجان جرش جسراً بين الماضي العريق والحاضر المتجدد، فمن قلب المدينة الرومانية القديمة، حيث تُعانق الأعمدة الشاهقة زرقة السماء، ينبثق صوت الفن ليُسمِع العالم نبض الأردن وروحه. وقد استضاف المهرجان عبر العقود نخبة من كبار الفنانين العرب والعالميين، وكان دائماً مساحة للانفتاح الثقافي وتبادل الإبداع.
لكن ما يجعل دورة 2025 شعلة مختلفة تمامًا، هو الروح التي نفخها فيها الأستاذ أيمن سماوي، هذا القائد الثقافي الذي قدّم الكثير في السنوات الأخيرة، وارتقى بالمهرجان إلى مصاف أهم مهرجانات العالم. بعين العارف، وقلب الفنان، ورؤية المثقف، أعاد سماوي تشكيل هوية المهرجان، فمزج بين العالمية والمحلية، وبين الحداثة والجذور، وجعل من كل دورة عرضاً وطنياً بامتياز.
ليس صدفة أن نعيش في منطقة تموج بالاضطرابات، لكن أن نقابل الحروب بالفن، والتطرف بالمسرح، واليأس باللحن، فذلك هو التحدي الذي يقوده جرش اليوم. الأغنية الوطنية على مسرحه، أو العمل المسرحي الذي يحمل همّ الأمة، أو التبرع بريع حفل لصالح قضية إنسانية، كلها أدوات مقاومة حضارية ناعمة يرفعها الأردن عاليًا. يُعتبر مهرجان جرش متنفسًا حقيقيًا للعائلات الأردنية والمغتربين الذين يعودون لزيارة وطنهم، فضلاً عن السياح من مختلف أنحاء العالم الذين يأتون ليعيشوا تجربة فريدة من نوعها تجمع بين الفن والتراث والتاريخ. هذا الحدث السنوي لا يقتصر على كونه مناسبة ثقافية وترفيهية فقط، بل هو رافد اقتصادي مهم لأهالي محافظة جرش، حيث يفتح المجال أمام العديد من فرص العمل المؤقتة والدائمة في قطاعات متعددة مثل السياحة، والضيافة، والتجارة، والنقل. من خلال هذه الفوائد الاقتصادية، يساهم المهرجان في تعزيز الاقتصاد المحلي، ويُعيد تدوير الثروة داخل المجتمع، مما يجعل جرش ليست فقط مدينة تراثية، بل أيضًا مركزًا حيويًا ينبض بالحياة والنمو.
لقد تجاوز مهرجان جرش كونه فعالية سنوية، ليصبح حالة وطنية وثقافية وإنسانية، تؤكد أن الأردن، رغم كل التحديات، لا يزال ينبت الأمل، وينشد الجمال، ويُصدّر للعالم وجهاً ناصعاً من التسامح والتنوع.
كل التحية والتقدير للأستاذ أيمن سماوي، الذي حمل شعلة المهرجان في السنوات الأخيرة بكل إخلاص، وجعل منها منارة تُضيء ليس فقط سماء جرش، بل سماء الأمة بأسرها. في عهده، أصبح للمهرجان نبض جديد، وأفق أوسع، ورسالة أعمق.
جرش 2025، ليست دورة عابرة... إنها صرخة فن في وجه العتمة، وعناق حضاري بين الإنسان وتاريخه، وميلاد جديد لروح لا تعرف الانطفاء.

مواضيع قد تهمك