د. مشعل الماضي : إرادةٌ تتجاوز المألوف، وجامعةٌ تؤمن بالإنسان: مسيرة الدكتور برهم والجامعة الأردنية

ليست كل الحكايات التي تتداولها أروقةُ المؤسسات الأكاديمية جديرةً بالتوقف، لكن ثمّة مسارات حياة تدفعك للتأمل، وتمنحك يقينًا بأن الكدّ والمثابرة لا يُخذلان.
في قلب الجامعة الأردنية، وضمن نسيجها المؤسسي العريق، تتجلّى قصة الدكتور برهم الرحامنة العبادي، لا كقصةٍ عابرة، بل كمثال نادر على عصاميةٍ خالصة، استمدّت قوتها من الإيمان العميق بقيمة الذات وقدسية العلم.
بدأ برهم مسيرته موظفًا في دائرة الأمن الجامعي، يؤدي واجباته بهدوء، بينما كانت عينه الأخرى تستشرف أفقًا أوسع من مهمته اليومية. لم تكن إمكاناته المادية سندًا له، بل كان اعتماده على عزيمةٍ حديدية، وصبرٍ نادر، ووجدانٍ تربوي آمن أن للعلم قدرةً على تحويل المسارات.
على مدى سنوات، واصل عمله نهارًا، ودراسته مساءً، حتى انتزع – بجدارة واستحقاق – درجة الدكتوراه في أصول التربية والقيادة التربوية، من الجامعة ذاتها التي بدأ فيها رحلته العلمية في البكالوريوس، ثم الماجستير، إلى أن توّجها بالحصول على الدكتوراه.
هذا الإنجاز لا يُقرأ في سياق فردي فحسب، بل في ضوء تفاعل مؤسسي ناضج؛ فقد مثّلت إدارة الجامعة الأردنية بيئةً حاضنة تُدرك أن رأس المال الحقيقي لأي مؤسسة هو الإنسان، مما يرتّب عليها تبنّي الطموحات القادرة وصقلها علميًا. فكان التخرّج تتويجًا لتحالف الإرادة الفردية مع الرؤية المؤسسية.
الجامعة الأردنية، من خلال هذه النماذج، لا تكرّس فقط تقاليد أكاديمية راسخة، بل ترسّخ فلسفة وطنية تؤمن بأن الكفاءات لا تُقاس بمحدودية الموقع الذي يشغله الموظف، بل بالمقدرة؛ وأن الأمل حين يجد بيئةً عادلة، يُثمر معرفة، وينجب قادة.
إن الدكتور برهم، بمنهجه العصامي الصلب، يجسّد مقولة أن التحديات ليست نهاية الطريق، بل بدايته، لمن امتلك الإيمان والعقل والهمة والعزيمة.
وقصة برهم والجامعة الأردنية، في عمقها، هي قصة وطن؛ وتمثل دعوة لكل مؤسسة بأن تصنع فرصها من داخلها، وأن تتبنى نماذجها المضيئة، لا لِتزهو بها، بل لتبني الأوطان من خلالها.
كلية الحقوق - الجامعة الأردنية