الأخبار

د. مامون الشتيوي العبادي : حين يحتفل الوطن: قراءة أكاديمية في معاني الاستقلال الأردني تاريخ النشر : الجمعة 12:03 30-5-2025

د. مامون الشتيوي العبادي : حين يحتفل الوطن: قراءة أكاديمية في معاني الاستقلال الأردني تاريخ النشر : الجمعة 12:03 3052025
أخبارنا :  

تحمل احتفالية عيد الاستقلال، كما أقيمت يوم أمس الأحد في الأردن، معاني رمزية ووطنية وثقافية عميقة تتجاوز الطابع الاحتفالي الظاهري. فيما يلي تفصيل لهذه المعاني من منظور أكاديمي متعدد التخصصات:
1. الهوية الوطنية وبناء الوعي الجمعي
يُعدّ الاحتفال بالاستقلال مناسبة تعزز من تشكيل الهوية الوطنية وترسيخها في الوعي الجمعي للمواطنين. إذ إن سرد رواية الاستقلال، وتكريم من ساهموا في بناء الدولة، وتأكيد رموز السيادة، كلها تسهم في إعادة إنتاج شعور الانتماء والانخراط في مشروع وطني مشترك. من منظور علم الاجتماع، تُعد مثل هذه الطقوس الوطنية جزءًا من «الذاكرة الجمعية» التي تُبقي الماضي حيًا وتُعيد تفسيره في سياق الحاضر والمستقبل.
2. الشرعية السياسية وتجديد العقد الاجتماعي
من منظور علم السياسة، تُستخدم المناسبات الوطنية الكبرى كأداة رمزية لتأكيد شرعية النظام السياسي وتماسك الدولة. فالحضور الملكي، وتوزيع الأوسمة على شخصيات وطنية، وتكريم إنجازات فردية أو مؤسساتية، كلها تعكس العلاقة المتبادلة بين القيادة والشعب، وتجدد العقد المعنوي بين الطرفين. إنها رسالة رمزية تؤكد أن الدولة تعترف بمواطنيها وتثمّن جهودهم، مقابل التزام المواطنين بالولاء والمشاركة في مشروع الدولة.
3. الدولة الحديثة والاستمرارية التاريخية
تُظهر احتفالات الاستقلال التوازن بين الأصالة والمعاصرة؛ إذ يتم الاحتفاء بالماضي (نيل الاستقلال من الانتداب البريطاني عام 1946) في قالب حديث ومتجدد من الاحتفالات المنظمة والموجهة إعلاميًا. من منظور دراسات التاريخ والسياسات الثقافية، فإن هذا يشير إلى رغبة الدولة في تقديم نفسها ككيان حديث ذي جذور تاريخية، يجمع بين الشرعية التاريخية والحداثة المؤسسية.
4. الخطاب الرمزي والإنتاج الإعلامي
الحفل الرسمي وما يصاحبه من عروض طائرات، أوسمة، كلمات قادة السلطات، وتصريحات الملك، يُشكّل خطابًا رمزيًا متكاملًا. من منظور الدراسات الإعلامية وتحليل الخطاب، فإن هذه الطقوس تُنتج سردية رسمية عن الوطن والمواطنة، تُبثّ عبر الإعلام المحلي والدولي لتشكيل صورة إيجابية ومتماسكة للدولة ومؤسساتها.
5. الدور الثقافي والاجتماعي للاحتفال
تُظهر الفعاليات الشعبية، من مهرجانات، عروض فنية، وأمسيات شعرية، أن عيد الاستقلال ليس فقط ذكرى سياسية، بل مناسبة ثقافية يُعبّر فيها المواطن عن حب الوطن من خلال الفن والموسيقى والأدب. من منظور الأنثروبولوجيا الثقافية، تُمثل هذه الفعاليات فرصة لاستعراض التنوع الثقافي داخل الدولة، ولخلق مساحة للتماسك الاجتماعي عبر رموز مشتركة.
من زاوية أكاديمية، فإن يوم الاستقلال ليس مجرد احتفال بل ممارسة ثقافية وسياسية متعددة الأبعاد، تُعيد إنتاج الانتماء الوطني، وتُجدد شرعية النظام السياسي، وتُرسّخ رموز الدولة الحديثة. إنه مناسبة لقراءة الماضي، وتأكيد الحاضر، واستشراف المستقبل، ضمن سردية وطنية شاملة تسعى لبناء الإنسان والمجتمع في آن واحد. ــ الراي

مواضيع قد تهمك