احمد ذيبان : عقلية المؤامرة

في حالات عديدة ليس خطأ التفكير بعقلية المؤامرة، وهنا أعني أن شبهات كبيرة تفسر حادثة مهاجمة مواطن أميركي، للمتحف اليهودي في العاصمة الاميركية واشنطن يوم الخميس الماضي، التي أسفرت عن مقتل موظفين اثنين يعملان بالسفارة الاسرائيلية في واشنطن!
ومصدر الشبهات يعود الى تصريحات أوروبية، تعبر عن القلق والانزعاج بشأن تصعيد دولة الاحتلال حرب الابادة الجماعية على قطاع غزة، والتلويح بفرض عقوبات على دولة الاحتلال، التي أصبح القتل اليومي خبرا روتينيا لا يستفز المشاعر الانسانية، ويتراوح عدد الشهداء يوميا بين 50 و200 غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن، فضلا عن منع سلطات الاحتلال دخول المساعدات الانسانية، الأمر الذي تسبب بوقوع مجاعة حقيقية.
وثمة أجواء سياسية تشير الى بعض التباين التكتيكي، بين ادارة الرئيس الاميركي ترامب والحكومة الاسرائيلية التي تمعن في تصعيد حرب الابادة، وتدمير مختلف مقومات الحياة في القطاع، رغم التوافق الاميركي الاسرائيلي في الهدف الاستراتيجي، للحرب والتي تتلخص بنزع سلاح حركة حماس، وابعاد قادتها وتهجير سكان القطاع.
وثمة سابقة غريبة ظهرت مؤخرا بتكليف شركة اميركية، لتولي عملية توزيع المساعدات الغذائية على سكان القطاع، وربما تعتبر هذه العملية احدى مقدمات السيطرة على قطاع غزة، لذلك يلاحظ أن تصريحات قادة دولة الاحتلال، تؤكد أن اسرائيل تعمل على تنفيذ خطة الرئيس ترامب، بتهجير سكان القطاع بشكل طوعي!
ويبدو أن حادثة مهاجمة المتحف اليهودي في واشنطن، جاءت هدية من السماء لكي تحقق حكومة نتنياهو صيد عدة عصافير بحجر واحد، أولها تصعيد الحرب الوحشية على المدنيين في قطاع غزة، وثانيها تفعيل فزاعة «معاداة السامية»، التي تستخدم ضد أي حادثة تنتقد حرب الابادة التي امتدت تداعياتها، لتصل الى الضفة الغربية المحتلة.
وسارع الرئيس الاميركي ترامب الى ادانة العملية، وقال عبر منصة تروث سوشيال «إطلاق النار يعزا إلى معاداة السامية.. يجب أن تنتهي فورا جرائم القتل المروعة في واشنطن، والتي بنيت بلا شك على معاداة السامية»، ووصف وزير الخارجية الأميركي مارك روبيو، ما جرى بأنه «فعل وقح من العنف الجبان والمعادي للسامية».
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فقال، إنه «مصدوم من جريمة القتل المروعة المعادية للسامية»، واعتبر مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون إطلاق النار بأنه «عمل إرهابي معاد للسامية"!
وجاءت مختلف ردود فعل المسؤولين الاسرائيليين بنفس الاتجاه، كلها استحضرت فزاعة «معاداة السامية» التي تستخدم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ضد كل من ينتقد النهج العدواني لدولة الاحتلال، بل تستخدم هذه الفزاعة ضد كل من يشكك في «المحرقة –الهولوكست» التي تستخدمها السردية الصهيونية، بشأن مقتل ستة ملايين يهودي على أيدي النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية، ولا يغيب عن الذهن بهذا الصدد ما تعرض له المفكر الفرنسي روجيه غارودي، الذي شكك بالرواية الصهيونية بشأن المحرقة في كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية»، وقدم بسببه للمحاكمة أمام محكمة فرنسية عام 1998، وحكم بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ!
ولم يسلم حتى رئيس الحزب الديمقراطي الاسرائيلي يائيير غولان، من الحملة التي أثارتها عملية واشنطن، حيث استثمر نتنياهو العملية واتهم غولان بالتحريض على دولة الاحتلال، بسبب تصريحات غولان التي اعتبر فيها أن الجيش الاسرائيلي يقتل الأطفال الفلسطينيين كهواية، وأضاف «الدولة العاقلة لا تشن حرباً على المدنيين، ولا تضع أهدافاً لتهجير السكان»، وقال نتنياهو إن غولان قارن إسرائيل بالنازيين وهو يرتدي الزي العسكري، واعتبر تصريحات غولان أحد اسباب عملية واشنطن!
حتى زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد شارك بـ"الزفة"! بوصفه عملية واشنطن بـ"جريمة قتل مروعة وعمل إرهابي معاد للسامية»، كان نتيجة مباشرة للتحريض الذي شهدناه في المظاهرات حول العالم"!
من الطبيعي أن تقابل حرب الابادة، التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بادانات دولية عارمة، وقد سبق أن شهدت عواصم غربية وجامعات اميركية وأوروبية تظاهرات حاشدة، تضامنا مع الشعب الفلسطيني وتنديدا بحرب الابادة على قطاع غزة، وأمر مبرر أن يتم الهتاف بشعار «الحرية لفلسطين»، لكن ما يثير علامات استفهام أن يستخدم العنف والقتل في هذا السياق، كما فعل المواطن الاميركي إلياس رودريغيز!
theban100@gmail.com